أعاد إعلان وزارة الداخلية الأخيرة، حول إلقاء القبض على مطلوبين أمنياً، كانوا ينشطون في مخيمات دعوية، النقاش حول «الوجه الخفي» للمخيمات وعلاقتها بالتنظيمات الإرهابية، واستثمارها في تجنيد صغار السن. وتتهم بعض المخيمات الدعوية بأنها «بيئة خصبة لتفريخ التطرف، نظراً إلى السرية التي تحاط بها، ليس من القائمين عليها، ولكن ما يتفرع منها من تجمعات خارج دائرة الرقابة»، مشيراً إلى أن تلك المخيمات المشبوهة «تزخر بكوادر وظيفتها التجنيد وخلق دوائر صغيرة بعيدة عن العيون». وظلت المخيمات الدعوية في «دائرة الشبهات»، ويتم التحذير من الجوانب السلبية التي تعكر صفو هدفها الدعوي والوعظي، منذ أن تحولت إلى ساحة لشحن الشباب، وحثهم على الانعزال عن الواقع المعاش، انطلاقاً من مبدأ «الغربة الدينية»، ما أوجد أفراداً يعانون من «فجوة» بينهم وبين مجتمعهم. ومرت المخيمات بأطوار متعددة تباين فيها الخطاب بين خطاب يتحدث عن «كرامات المجاهدين» في أفغانستان، والصراعات الفكرية والأيديولوجية، إلى تبني خطاب الوطنية والدفاع عن الوطن، بخاصة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) في 2001، وما أعقبها من حملات أمنية وإعلامية متواصلة، اضطرت منظمي المخيمات إلى تحويل الموجة، وظل هذا الطور مهيمناً، وإن كرهه العاملون في تلك المخيمات. إلا أن موجة ما سمي ب»الربيع العربي» أدت إلى انصراف الأضواء عن تلك المخيمات، من باب التحذير منها، إلى تخفيف اللغة ضدها والعمل على احتوائها، مع التندر على بعض ما يرد فيها من كتاب ومتابعين في شبكات التواصل الاجتماعي. المجتمع «الآثم» على رغم الحملات الأمنية والإعلامية على الجانب السلبي في المخيمات الدعوية، إلا أنها أثبتت قدرتها على التلون بحسب الموجات، من قلب ذلك الهجوم إلى ادعاءات لا تجد لها صدى شعبياً. بيد أن بيان وزارة الداخلية عن تمركز مطلوبين أمنيين واستثمارهم المخيمات في نشاطهم الدعوي والحركي، نسف الجهود كافة التي كانت تقوم بها المخيمات من أجل تحسين صورتها، رسمياً وعند الرأي العام الذي يتشكل بقوة وسائل الإعلام. ورأى الاختصاصي النفسي محمد المقبل أن العلة الرئيسة في خطاب المخيمات الدعوية «تعزيز جانب العزلة عن المجتمعات، وشيئاً فشيئاً النظر إلى المجتمع كمجتمع آثم»، مضيفاً: «إن التدين بحد ذاته هو خلق نمط آخر مخالف للسائد في عصر العولمة وانصهار الثقافات، وليس هذا الأمر خاصاً بالدين الإسلامي ولكن بكل الديانات». وعن قدرة التنظيمات في استقطاب الكوادر الشابة في هذه المخيمات، قال المقبل ل «الحياة»: «بحكم ما يقدم من محتوى يعزز من مفهوم العزلة الدينية والبعد عن الاختلاط بالمجتمعات وتجمعاته الترفيهية والثقافية، فإن استقطابهم من هناك خير توجه واستهلاك للوقت. فالأمر بحاجة إلى مزيد من الشحن وطرح المسائل السياسية المعقدة في قالب تبسيطي، يستهدف استعراض المآسي والقصص المؤثرة إسلامياً وعربياً، ما يحول نظرة الشاب من الابتعاد عن المجتمع إلى الابتعاد عن الوطن، وتكبير حجم عدسته من كونها عدسة ترصد أخطاء الحفلات الغنائية ومواقع الاختلاط، إلى رصد التحالفات الدولية والمعارك العسكرية والقضايا الكبرى». وذكر المقبل أن «الشاب في مقتبل عمره يطمح دائماً إلى منصب قيادي يفاخر به بين أقرانه ليشعر بالإنجاز. ونظراً إلى عوامل مختلفة في سوء التربية، يضطر الشاب إلى الخروج من سيطرة أهله إلى سيطرة جماعات أخرى، سواءً أكانت في المدرسة أم المسجد أم الحارة، وفي ظل غياب الرقابة، تنشط هنا الأفكار بشقها السلبي والإيجابي، ولعدم قدرة هذا الشاب على التمحيص من السهل أن تنطلي عليه الأفكار السلبية، ولا يعد يرى في التكفير وحمل السلاح لاحقاً إلا سبيلاً لزيادة كلمات الثناء والإعجاب بين أقرانه الجدد»، مشدداً على ضرورة «قيام الأسرة بدورها عبر مراقبة رشيدة لدوائر معرفة أبنائهم، تجنباً لأفكار متعددة تهدم المجتمعات». الاختراق الأمني أمنياً، أكد الباحث في المجال الأمني سعد الشمراني ل «الحياة» أن «المخيمات الدعوية لا تخلو من وجود عناصر تنخرط ضمن اللجان، وتعمد إلى استقطاب شبان واستدراجهم لتجمعات بشكل لا يدعو للشك والريبة، ولكن من دون علم المشرفين المنسقين مع الجهات الرسمية»، لافتاً إلى أن تلك التجمعات تتخللها «دروس دينية تعليمية بحتة حول العقيدة والأخلاق. فيما يكون الشق التوجيهي فيها عندما يتم تصوير واقع الحال المخزي والسيئ، ويجب أن يتبدل الحال ليصلح حال الأمة، ومن هذه النقطة تكون هناك نقاط أخرى يتم طرقها تمس السياسة بشكل مباشر، ولكن بعد أن يتم التأكد من وصول هذا الشاب إلى الذروة التي يستقبل من بعدها النكات والسخرية من العلماء والساسة في البلد، انتهاء إلى تحويل الأمر إلى هجوم تتخلله عبارات تكفيرية وامتداح لتنظيمات مسلحة، مثل «داعش» حالياً، و»القاعدة» سابقاً». وأوضح الشمراني أن «الانخراط في التنظيمات ليس أمراً سهلاً كما يتصوره البعض، ولكن الأمر يأتي بعد أن يتحول الشخص من كونه ابن مجتمعه بكل ما فيه من هوية تخصه ويُعنى بها، إلى شخص أخر منشغل بهموم الآخرين، ليس بالقدر المقبول، ولكن بقدر يخرجه من دوائره الخاصة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، فيتحول إلى ابن الساحة السورية أو العراقية أو الأفغانية». وأشار إلى أن وجود مطلوبين أمنيين في المخيمات أو اللجوء إليها، «أمر متوقع، نظراً إلى أن هناك بيئة ستحتضنهم إما قناعة أو تعاطفاً، وفي كلتا الحالتين يعد هذا أمنياً مؤشراً على خلل يجب وضعه تحت مشرط التشريح». وشدد على أن هناك «فئات عملت في هذه المخيمات على خلق خطاب جديد يقوم على المواطنة، وفق رؤية محافظة هي في الأساس موجودة، إلا أن هذه المحاولات كانت تتعرض لانتكاسة نظراً إلى أن من ينفذها لا ينفذها عن قناعة، ولكن تنفيذاً للتعليمات والتوجيهات التي ترد من الجهات المختصة. وهذا يفتح الحاجة إلى البحث عن كيفية وآلية لإيجاد خطاب وطني يعزو تلك المخيمات بدلاً من خطابات أخرى تعلو وتنتج خطابات العنف». «الشؤون الإسلامية»: لا ملتقيات دعوية من دون تصريح الوزارة والإمارة حذرت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من تنفيذ ملتقيات دعوية أو مناشط دينية من دون الرجوع إليها، وإلى إمارات المناطق للحصول على موافقة رسمية، بعد معرفة ما سيطرح من خلال الملتقى. وأبلغت الوزارة المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بضرورة اتباع تعليمات الوزارة، من ناحية تنظيم ملتقيات الجاليات، مؤكدة أهمية «تزويد الوزارة بنسخة من الأنشطة وما تحتويه، وذلك بحسب التعليمات الصادرة من وزارة الداخلية». وأوضح مصدر في المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالخبر ل «الحياة»، أن «جميع ما ينفذ من برامج وأنشطة يكون بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، ولا يمكن تنفيذ برامج غير موافق عليها»، موضحاً أن أهم إجراء متبع «الحصول على موافقة إمارة المنطقة». وذكر أنه في «العام قبل الماضي صدر نظام لمكاتب الدعوة والإرشاد، وتضمنت أحكامه التزام المكاتب والمنتسبين لها بالأهداف المحددة وأنظمة المملكة، وما يصدر من الوزارة من تعليمات، وتتم مراجعة القواعد بين فترة وأخرى، لإجراء ما يلزم من تعديلات عليها، ويلغى كل ما يتعارض معها من أحكام». فيما كشف خطباء مساجد ل «الحياة»، عن «تشديد الوزارة خلال الفترة الحالية على ما يتم طرحه من نصائح إرشادية دينية بعد الصلوات الخمس، منوهين إلى ضرورة «الالتزام بما يتم تعميمه وتلافي التجاوزات، التي ربما تؤدي إلى المحاسبة». وقال عبدالسلام بندر (إمام وخطيب مسجد في الدمام): «إن التعليمات المبلغة للأئمة تشدد على تماشي محتويات خطب الجمعة مع التعليمات. إلا أن بعض الخطباء يلجؤون إلى إلقاء خطب قصيرة أو مواعظ بعد كل صلاة، وهناك تشديد على المحتوى وهذا أمر طبيعي». فيما أوضح عبد الرحمن الغامدي (نائب خطيب مسجد بالدمام) أن «التعليمات تصدر بصورة مستمرة، والتأكيد عليها يتضاعف في حال الأحداث الأمنية»، لافتاً إلى أن بيان وزارة الداخلية الأخير أشار إلى «الملتقيات الدعوية وأصحاب الفتن، الذين يستخدمون الدين الإسلامي لخدمة مصالح إرهابية تسيء إلى الإسلام وسمعة المملكة»، مضيفاً: «نحن على تواصل مع الوزارة، وخلال شعبان المقبل ستكون خطة شاملة عن الدروس والتوعية والإرشاد والفعاليات في رمضان الكريم، والرقابة مستمرة لاسيما في خيم إفطار الصائمين، وغيرها من الفعاليات التي يستهدفها بعض المتشددين». يذكر أن وزارة الشؤون الإسلامية كانت طلبت من أئمة المساجد والجوامع قبل عامين، تسجيل جميع الدروس وتوثيقها، وإرسالها إلى الوزارة، للاستفادة منها، وللتأكد من محتوياتها». كما أكدت في تعميمها على ضرورة «الالتزام بالدروس التي يلقيها كبار العلماء، ولاسيما المحاضرات العامة، وبيان المنهج الشرعي في الفتن».