منذ صدور النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية عام 1412، وهو يعدّ مرجعاً أساسياً تستند إليه اختيارات ملوكها وأوامرهم المتعلقة بولاية العهد وولاية ولاية العهد، وهو المعيار الذي يسير على مبادئه نظام البيعة، واللوائح التابعة له والأوامر الملكية كذلك. وتنص المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم على أنه «نظام ملكي»، كما أن الحكم يكون «في أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم». وأن الملك هو من «يختار ولي العهد، ويعفيه بأمر ملكي»، ويكون ولي العهد «متفرغاً لولاية العهد، وما يكلفه به الملك من أعمال»، لافتاً إلى أن بيعة المواطنين للملك تكون «على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره». هذه المبادئ راعتها مجموعة الأوامر الملكية التي صدرت أمس (الأربعاء)، متضمنة أن رغبة الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود في إعفائه من ولاية العهد، استدعت من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز تقديرها والاستجابة لها. وبما أن النظام الأساسي للحكم يعدّ حاكماً على الأنظمة الأخرى، وأن المادة الأولى منه تعيده مرجعية الكتاب والسنة، فقد نص أمر إعفاء الأمير مقرن بن عبدالعزيز على أن الأمر بتولية الأمير محمد بن نايف ولاية العهد جاء «عملاً بتعاليم الشريعة الإسلامية فيما تقضي به من وجوب الاعتصام بحبل الله والتعاون على هداه، والحرص على الأخذ بالأسباب الشرعية والنظامية، لتحقيق الوحدة واللحمة الوطنية والتآزر على الخير، وانطلاقاً من المبادئ الشرعية التي استقر عليها نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، ورعاية لكيان الدولة ومستقبلها، وضماناً - لاستمرارها على الأسس التي قامت عليها لخدمة الدين ثم البلاد والعباد، وما فيه الخير لشعبها الوفي». الأمر نفسه اشتمل عليه الأمر بتعيين وليّ وليّ العهد، مضافاً إليه ما جاء في أمر خادم الحرمين المتضمن من كونه «سيراً على النهج الذي أرسيناه مع أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في اختيار ولي ولي العهد، وأنه نظراً لما يتطلبه ذلك الاختيار من تقديم المصالح العليا للدولة على أي اعتبار آخر، ولما يتصف به الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز من قدرات كبيرة، التي اتضحت للجميع من خلال كافة الأعمال والمهام التي أنيطت به، وتمكن من أدائها على الوجه الأمثل، ولما يتمتع به من صفات أهلته لهذا المنصب، وأنه قادر على النهوض بالمسؤوليات الجسيمة التي يتطلبها هذا المنصب». ومن صياغة الأمر الملكي يتبين أنه يحرص في كل فقرة من فقراته على التذكير بموافقة الأوامر والاختيارات الصادرة للشريعة الإسلامية والنظام الأساسي للحكم وموافقة هيئة البيعة كذلك، إذ جاء فيه: «بناء على ما يقتضيه تحقيق المقاصد الشرعية، بما في ذلك انتقال السلطة وسلاسة تداولها على الوجه الشرعي وبمن تتوافر فيه الصفات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم، فإن ولي العهد الأمير محمد بن نايف يرشح الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ليكون ولياً لولي العهد. وبعد الاطلاع على تأييد الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختيار سموه ليكون ولياً لولي العهد. وبناء على ما تقتضيه المصلحة العامة». يذكر أن هذه الأوامر والاختيارات الموائمة لها من جهة هيئة البيعة تتسم بالانسجام مع روح الدولة الملكية المعاصرة، ومع تقريرات فقهاء الإسلام في جانب «السياسة الشرعية» و«الأحكام السلطانية»، ففي حين ينص النظام الأساسي للحكم في مادته السادسة على أن البيعة تكون «على كتاب الله وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، فإن الأحاديث النبوية تؤكد ذلك، إذ جاء في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ما نصه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره»، وفي ضوء هذا الحديث والنصوص الشرعية الأخرى يقول القاضي أبو يعلى الفراء (المتوفى عام 458): «وصفة العقد أن يقال: بايعناك على بيعة رضا، على إقامة العدل والإنصاف، والقيام بفروض الإمامة»، ويضيف: «ولا يحتاج مع ذلك إلى صفقة اليد». ويتابع القاضي أبو يعلى: «ويجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده، ولا يحتاج في ذلك إلى شهادة أهل الحل والعقد، وذلك لأن أبا بكر عهد إلى عمر رضي الله عنهما، وعمر عهد إلى ستة من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يعتبرا في حال العهد شهادة أهل الحل والعقد». مشيراً إلى أنه «يجوز أن يعهد إلى من ينتسب إليه بأبوّة أو بنوّة، إذا كان المعهود له على صفات الأئمة، ويعتبر قبول المعهود إليه»، ويضيف: «فإن عهد إلى غائب معلوم الحياة صح، وكان موقوفاً على قدومه، فإن مات المولّي وبعدت غيبته واستضر المسلمون بتأخير نظره استناب أهل الاختيار عنه نائباً يبايعونه بالنيابة دون الخلافة، فإذا قدم الغائب انعزل النائب». ويستطرد القاضي أبو يعلى في أحكام الإمامة وولاية العهد، بما يشير إلى أن النظام الأساسي للحكم ونظام البيعة والأوامر الملكية تراعى الأحكام الفقهية ذاتها، فيقول: «وإذا خلع الخليفة نفسه، إما بطروء عذر أو قلنا له أن يخلع نفسه، انتقلت الولاية إلى وليّ عهده»، ويضيف: «فإن قال: قد عهدت بالأمر إلى فلان، فإن مات قبل موتي أو تغيرت حاله فالإمام بعده فلان، وذكر آخر، جاز ذلك، وكان ذلك عهداً إليه بالشرط، فإن بقي الأول إلى وفاة العاهد سليماً كان هو الإمام دون الثاني، وإن مات قبل موت الإمام أو تغيرت حاله كان الثاني هو الإمام المعهود إليه»، ويستدل أبو يعلى الحنبلي لذلك بأن الأصل فيه ما رواه الدارقطني «لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم إلى مؤتة قال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة».