شهد الحوار الليبي برعاية دولية انتكاسة جدية أمس، إذ قوبلت مسودة اقترحتها بعثة الأممالمتحدة برئاسة برناردينو ليون، بتحفّظات عميقة من القيادة السياسية ل«فجر ليبيا» المتمثّلة في المؤتمر الوطني (المنتهية ولايته)، فيما قوبلت دعوة ليون الى جلسة حوار بين المتحاربين، برفض صريح من قيادات الجيش التابعة لمرجعية برلمان طبرق، والتي تعارض «الجلوس مع الميليشيات». وأبلغت «الحياة» مصادر في «فجر ليبيا» أمس، أن «ثمة إجماعاً بين الثوار على رفض اقتراحات ليون، كونها تغلب طرفاً على الآخر، ولا تراعي التوازن الذي هو أساس التسوية». وأضافت المصادر أن اقتراحات ليون تتضمّن «اعترافاً صريحاً بشرعية مجلس النواب في طبرق، والذي نعتبره منحلاً بموجب حكم المحكمة الدستورية، كما أنها تلحظ استمرار هذا المجلس في عمله مع إمكان التمديد له، وهو أمر مرفوض». وزادت المصادر أن «مسودة ليون تلحظ اعترافاً بمؤسسة نعتبرها غير شرعية، وهي فصيل الجيش الوطني الذي كلّف برلمان طبرق قائده خليفة حفتر مهمات قائد الجيش، ما شجّعه على التمادي في الغارات الجوية والقصف في وقت متزامن مع انعقاد جلسات الحوار في المغرب، في حين تقابل مجهودات القوات الشرعية المكلّفة من المؤتمر بالدفاع عن العاصمة طرابلس، بالتنديد والتهديد من جانب ليون». يأتي ذلك في وقت أعرب فريق الحوار المفوّض من المؤتمر الوطني، عن «خيبة أمله» من المسودة التي قدّمها ليون. وقال صالح المخزوم، رئيس فريق الحوار المفوض من المؤتمر، مساء الاثنين: «لاحظنا من القراءة الأولى للمسودة، أنها مخيّبة للآمال وفيها رجوع إلى نقطة الصفر». وأضاف المخزوم الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي في مقر المؤتمر، أن ليون «ابتعد عن كل ما تناولناه في جلسات الحوار السابقة لإيجاد حلّ سياسي بطريقة المواءمة، يجمع بين احترام حكم القضاء وطموحات مجلس النواب المنحل». ورأى عضو المؤتمر أن اقتراحات ليون التي عمّمت في شكل مسودة عنوانها «الاتفاق السياسي الليبي»، هي «غير متوازنة ولا تحترم حكم المحكمة (حلّ برلمان طبرق)، ولا تلبي طموحات الثوار في ضرورة وجود توازن حقيقي سياسي للمشكلة في ليبيا». وأكد المخزوم أن «فريق الحوار ما زال على استعداد لتقديم الاقتراحات والحلول الحقيقية، التي بموجبها يحدث التوازن السياسي للأزمة الحالية وتُحقن دماء الليبيين». وفي طبرق، قال محمد شعيب، رئيس وفد الحوار المكلّف من مجلس النواب، إن المجلس «هو المختصّ باعتماد حكومة التوافق الوطني المزمع تشكليها» بموجب اقتراحات ليون. ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن شعيب، أن «وظيفة بعثة الأممالمتحدة هي مجرد التنسيق بين الأطراف للوصول إلى توافق». وكشف رئيس وفد الحوار عن وجود مطالبة دولية بترشيح أسماء من جانب مجلس النواب لمنصب رئاسة الحكومة، لكنه لم يخض في أسماء، فيما تردّد أن بين المرشّحين مسؤولين سابقين في نظام العقيد معمر القذافي، الأمر الذي أثار حفيظة بعض القوى الفاعلة على الأرض. كذلك، أكد عضو لجنة الحوار، النائب أبو بكر بعيرة، وصول المسودة النهائية المنبثقة من الحوار إلى مجلس النواب في طبرق لدراستها، مشيراً الى أن المجتمع الدولي يضغظ باتجاه حلحلة المشكلة الليبية. لكن بعيرة قال إن «لا حوار مع من صنّفهم مجلس النواب بالجماعات الإرهابية»، ويقصد بذلك الأطراف المناوئة لقوات حفتر. أما في ما يتعلق باقتراح استحداث مجلس رئاسي، فقال بعيرة إن المجلس مقترح كهيئة استشارية مختصة بتقديم النصح الى الحكومة العتيدة ولا يمارس أي صلاحيات اشتراعية، وأكد أن مسودة الاتفاق «تنصّ بوضوح على أن مجلس النواب هو السلطة الاشتراعية الوحيدة في ليبيا». وتلقى وفد الحوار الممثل لمجلس النواب، دعوة من الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، للإجتماع الخميس المقبل، لمناقشة وجهات نظر المجتمع الدولي في ما يخص الحوار. وعقد مجلس النواب في طبرق جلسة برئاسة شعيب، بصفته النائب الأول لرئيس المجلس، بحضور النائب الثاني حميد حومة، و75 نائباً، وفي غياب رئيس المجلس عقيلة صالح. وقال النائب محمد العباني، إن المجلس ناقش المسودة التي أشار إليها شعيب، المتعلّقة بحوار الصخيرات (المغرب) والرد على ما تناولته. وأضاف العباني في تصريحات إلى «بوابة الوسط»، أن لجنة فنية تعد الردود على اقتراحات ليون تمهيداً لمناقشتها لاحقاً من النواب. وفي وقت سجلت قيادات ميدانية في «فجر ليبيا» اعتراضها على اقتراحات ليون، داعية المؤتمر الى مواصلة مهماته لتعزيز الوضع السياسي، أعلن العقيد ونيس بوخمادة، آمر القوات الخاصة (الصاعقة) في الجيش، رفضه الحوار مع الطرف المقابل. وقال بوخمادة في تصريح الى قناة «الدولية»: حربنا مع الإرهاب في القوات الخاصة مستمرة منذ ثلاثة سنوات ولم تبدأ بالأمس، وعليه، فإنني أعلن رفضي الدعوة التي وُجهت إلي من المبعوث الأممي ليون، للمشاركة في إحدى جولات الحوار». في غضون ذلك، واصلت قوات حفتر عملياتها بالتعاون مع «جيش القبائل» ومقاتلي الزنتان، للسيطرة على مناطق جنوب العاصمة طرابلس. وأكدت مصادر حفتر تراجع قوات «فجر ليبيا» الى مدينة غريان جنوبطرابلس، والتي بدت هادئة، وفق مصادر من داخلها.