بخلاف الإعلام العربي المقروء، تجاهلت أبزر قناتين إخباريتين عربيّتين، «العربيّة» و «الجزيرة»، الذكرى المئويّة للمجازر الأرمنيّة التي ارتكبتها السلطة العثمانيّة في الفترة الفاصلة بين 1915 و1918، وراح ضحيّتها نحو 1,5 مليون أرمني، ومئات الألوف من السريان، الآشوريين، اليونانيين، الكرد، الترك والشركس أيضاً، وفق العديد من المؤرّخين والمصادر. الإعلام المقروء، رصد هذه الذكرى وتفاعلاتها، عبر التقارير الإخباريّة والتحقيقات ومقالات الرأي، التي تناولت هذا الحدث التاريخي من زوايا مختلفة، وأحياناً متباينة، لجهة الميل إلى تبنّي الرواية الأرمنيّة أو التركيّة، أو الوقوف على الحياد، والتناول الموضوعي للحدث. بينما «العربية و «الجزيرة» لم تتناولا هذا الحدث التاريخي المأسوي، لا عبر برامج الحوار ولا عبر الأفلام الوثائقيّة، التي اعتدنا عليها، أثناء مرور ذكرى حدث سياسي معيّن، كأحداث 11 أيلول، أو احتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين، مثلاً! وبالتوازي مع هذا التجاهل، ركّزت قنوات التلفزة التابعة لمحور «الممانعة» في سورية ولبنان، على ذكرى هذه المجازر، على خلفية الخصومة السياسيّة مع الحكومة التركيّة، بسبب دعم الأخيرة المعارضة السياسيّة والعسكريّة السوريّة التي تسعى إلى إسقاط نظام الأسد. ورأى مراقبون أن تغطية إعلام «الممانعة» لمئوية المذابح الأرمنيّة، وإدانة ارتكاب هذه المجازر، وشجب إنكار الحكومة التركيّة لها، لم تكن حبّاً في الأرمن وتضامناً مع ضحايا هذه الإبادة، بمقدار ما كانت كرهاً في الحكومة التركيّة والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. «بي بي سي العربية» تناولت الحدث الكبير، عبر تقرير، يرصد احتفال أرمينيا بهذه الذكرى. كما بثّت تقريراً آخر، يرصد احتفال تركيا بذكرى مئويّة معركة «جناق قلعة» أو «غاليبولي»، مشيرة إلى مشاركة ولي العهد البريطاني تشارلز وإبنه الأصغر هاري في هذا الاحتفال، إلى جانب قادة ومسؤولي 20 دولة، من ضمنها قطر، اسرائيل، نيوزيلندا وأستراليا. وبالتالي، لم يأخذ هذا الحدث حيّزه في برامج الحوار بالمقدار الكافي واللائق في «بي بي سي العربيّة»، باستثناء برنامج «بي بي سي إكتسرا» الإذاعي الذي تطرّق الى هذه المجازر، عبر اتصال هاتفي. علماً أن بريطانيا، لم تعترف حتى الآن بهذه الإبادة. ويرى مراقبون أن تعمّد الأتراك الاحتفال بذكرى معركة «جناق قلعة»، التي انتصروا فيها على الحلفاء، في يوم الاحتفال ذاته بمئويّة المذابح الأرمنيّة، هو لصرف أنظار العالم عن إحياء أرمينيا مئويّة الإبادة الجماعيّة. كما نحت قناة «فرانس 24» منحى «بي بي سي العربية» في تناول الحدث في شكل محايد ومتواضع، على رغم مشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في الذكرى المئويّة للإبادة الأرمنيّة، وإلقائه خطاباً في هذا الاحتفال. وسط هذا التراخي من جهة القنوات الإخباريّة الناطقة بالعربيّة، وتجاهل القنوات الإخباريّة العربيّة المذكورة أعلاه، برزت تغطية قناة «سكاي نيوز عربية» لمئويّة الإبادة الأرمنيّة، لجهة الجودة والمساحة والحياديّة والتوازن في التناول والمعالجة، بخاصة في برنامج «عن قرب» سواء عبر تقرير دارين الحلوة، المتوازن والرصين، أو استضافة البرنامج الخبير في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجيّة محمد عبدالقادر. ودار الحوار حول الخلفيّة التاريخيّة للأحداث، وأسباب رفض تركيا الاعتراف بهذه الإبادة، وما يترتّب على هذا الاعتراف من تبعات قانونيّة وسياسيّة واقتصاديّة. أياً يكن الأمر، إذا كان مفهوماً تجاهل قناة «الجزيرة» لمئويّة المذابح الأرمنيّة، بسبب العلاقة التركيّة - القطريّة الاستراتيجيّة، وحضور أمير قطر احتفاليّة ذكرى معركة «جناق قلعة» إلى جانب الرئيس التركي أردوغان، فمن غير المبرر تجاهل «العربيّة» لها، حتى ولو كانت هذه القناة مشغولة ومنهمكة في تغطية معارك اليمن.