انها واحدة من المرات القليلة التي لا يشعر فيها المشاهدون اللبنانيون، بالملل من متابعة جلسات مناقشة نوابهم بيان حكومتهم الجديدة برئاسة سعد الحريري، من خلال شاشة التلفزة ثلاثة أيام بلياليها. ومصدر ذلك هو أن «القرف» الذي لازمهم 4 سنوات من كل شيء في بلدهم في أغلب الأحيان مما يقال على شاشات التلفزة، لم يمكن موجوداً في المشهد الجديد بل حلت مكانه اللقطات التلفزيونية الظريفة و«القفشات» وحتى الفضول للتعرف الى الوجوه الجديدة من نواب الأمة اللبنانية من الذين لم يتسن للجمهور رؤيتهم ومعرفتهم بعدما انتخبوا نواباً قبل نصف سنة تقريباً. من هنا كان انفراج الأزمة مناسبة كبرى كي يفتح البرلمان أبوابه للساسة اللبنانيين فتشرّع محطات التلفزة كلها هواء بثها ثلاثة أيام تنقل إلى المشاهدين هذه المرة كلمات وكلمات وكلمات لم يجدوا فيها مفردات شاعت سابقاً جاعلة الجلسات أكثر إثارة كقول نائب لزميله «طهّر نيعك» (فمك) و «خونة» و «عملاء»... كل هذه المفردات غابت عن البث التلفزيوني هذه المرة وعاد الخطاب السياسي والإعلامي إلى اتزانه ليقدم إلى جيل جديد صوراً ومشاهد لم يألفها حين بدأ وعيهم السياسي يتشكل بعدما ترسخ في أذهانهم أن لسان حال ساستهم في البرلمان وعلى الشاشات كلسان حالهم (الشباب) في الأزقة والمقاهي. هذه المرة أدّى النقل التلفزيوني المباشر من داخل البرلمان دوره المرتجى، فتحولت الشاشة التي كانت في السنوات الأربع الماضية مطية لشتم الخصوم او تخوينهم، إلى منبر يقدم دروساً في العلوم السياسية والقانون الدستوري والفقه القانوني والرؤى الاقتصادية والمالية والمشاريع الاستراتيجية الدفاعية والأمنية وكذلك تقديم العناوين المطلبية والانمائية. حتى أن كثراً من المشاهدين باتوا يعرفون أو يستفسرون عن معنى قول النائب قبل أن يسمح له بالكلام «بالنظام»، وهذه المفردة تعني أن طالب الكلام سيتحدث وفقاً للنظام الداخلي للمجلس النيابي، في الموضوع الذي يتحدث فيه زميله حصراً. كانت الخلاصة الوحيدة التي خرج بها المواطنون بعد صبرهم ثلاثة أيام أمام الشاشة أن ساستهم لا همّ لهم في هذه المرحلة التي دخل فيها لبنان استقراراً يرتجى أن يستمر سنوات، إلا الشؤون الحياتية والمطلبية... التي كانت فحوى الكلمات التي دخلت البيوت عبر الشاشات والإذاعات التي ربما عليها من الآن فصاعداً أن تقدم إليهم (المسؤولين) تقارير وأخباراً يتركز معظمها على «هموم الناس». من هنا اذا أراد المسؤول فعلاً أن يعرف ما يعانيه المواطنون، فليس عليه أن يصغي إلى مستشاريه وملخصاتهم الصحافية، بل عليه أن يخصص بعضاً من وقته لمتابعة الإعلام بكل صنوفه ويدوّن ملاحظات، وإن كان وقته مملوءاً فيمكنه في سيارته او مكتبه أن يصغي إلى «شكاوى الناس» على «صوت لبنان» صباح كل يوم، ويبادر إلى معالجتها فيكون فعلاً وفى بعهوده... أليس العهد مسؤولاً؟