لا أعرف الرجل ولكن خبر ما فعله أخيراً استوقفني، وخبر وقوفه أمام السيارة للحيلولة دون إصابة اليتيم لتلقي الصدمة التي انتهت بوفاته، فهو - رحمه الله - ضحى بنفسه في سبيل إنقاذ يتيم وحمايته من الاصطدام. فبحسب الخبر المنشور في إحدى الصحف الإلكترونية فإن المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام في الرياض نظمت حفلة إلى البر احتفالاً بعودة الأمير سلطان، وحدث أن قام أحد الأيتام بقيادة إحدى السيارات، وعندما همّ بإيقافها لم يتمكن من ذلك، وشاهد الاختصاصي الاجتماعي الموقف واستشعر أن السيارة تنحرف بشدة وتقترب من أحد الأيتام، فقام على الفور وألقى بجسده على اليتم وتلقى الصدمة بدلاً منه ليموت فوراً وليغرق الجميع في البكاء على مشرفهم. ما الذي جعله يفعل ذلك؟ ولماذا ضحى بنفسه لحماية اليتيم؟ ما دوافعه؟ هل يهوى إيذاء نفسه؟ بالطبع لا، دافعه الوحيد أنه مسؤول عن هؤلاء الأيتام وأن واجبه حمايتهم من كل شر، دافعه الوحيد شعوره القوي والرصين بالمسؤولية والواجب والضمير. كتبت سابقاً عن بعض التجاوزات التي صورتها بعض مقاطع «اليوتيوب» وشاهدناها جميعاً، والواجب المهني يملي عليّ أن أذكر أن الخير موجود وأن الواجب الأخلاقي والمهني وأولاً وقبل كل شيء الديني أوجد لنا مثل هذا الاختصاصي الشهم الذي ضحى بنفسه في سبيل إنقاذ يتيم، ومن الجدير أن نذكر اسمه الذي ينبغي ألا يحجب وتطويه أوراق النسيان، فهو عبدالعزيز القحطاني الذي أبكى رحيله المفاجئ من كان يرعاهم ويحيطهم بالرعاية. الأخبار الحسنة تصل أيضاً كما تصل السيئة، والواجب علينا أن نكرمه حتى بعد رحيله عن الدنيا ونعطي لأبنائه ذكرى جميلة وموثقة عن موقف والدهم الرائع والفريد أيضاً. ذكرني موقفه بموقف موظف في إدارة حكومية عُرضت عليه رشوة تبلغ مليونين لإصدار صك لغير أصحابه، فرفض ذلك وأعلن عن الشخص الذي عرض عليه الرشوة وانتظر أن يتم تكريمه وطال انتظاره، لأن المسؤولين في الجهة هذه وجدوا أن ما فعله عادي في زمن لم تكثر فيه الرشاوى والفساد وخيانة الأمانة، فرفع طلب يطالب فيه بتكريمه أو حتى شكره لأن أمانته منعته من الحصول على ثروة فجائية ستجعله من فئة المميزين وستجعله يستغني عن العمل طوال عمره المتبقي. لم أتابع ما حدث في قضية الموظف الثاني، ولكني أتخيل وأتصور أنه سعيد بفعله، يكفي أنه يحترم نفسه ونظافة يده ولكن! موقف كهذا كان يجب أن يثمّن ويكرم الرجل حتى لو كانت الأمانة جزءاً لا يتجزأ من واجبات عمله، فشهادة بسيطة وكلمات افتخار صادقة من شأنها تعزيز الخصلة الجميلة وبقاؤها. [email protected]