تمر حياة ذوي الحاجات الخاصة في السعودية بدورةٍ يهرب المجتمع فيها إلى «العاطفة»، ويغيب معها الأفراد عن تقديم واجبهم الأدبي التطوعي، فيما تؤجل المؤسسات تنفيذ دورها الوظيفي نحو تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات الرئيسية لأصحاب الإعاقة، ويظل وضع المعوّق في السعودية مشتتاً بين حالة «الشفقة» التي يستقبله المجتمع بها لحظة الولادة، وحقه في الحياة عنصراً أصيلاً في النسيج الاجتماعي. يتفاعل المجتمع في السعودية مع حال الإعاقة منذ لحظة الولادة، ولا تخلو أسئلة التهنئة بالمولود الجديد من الاطمئنان على سلامة الجسد الصغير من الإعاقة. وإن حصلت، فلفظة «مبروك» الفرحة تقتلها نبرةٌ حزينة تفيض بمشاعر الرحمة. ومع مسلسل التعامل «العاطفي»، تعاني أسر ذوي الحاجات الخاصة من عملية دمج أبنائها بدءاً من التفاعل مع أفراد الأسرة داخلياً ومع المجتمع الخارجي في سن الطفولة، الذي يُكسب الطفل الصحيح أو المعوق القدرة على التعامل مع معطيات الحياة، مروراً بصعوبة التعامل مع المرافق العامة غير المهيأة، وصولاً إلى التعليم، الذي بقي في السعودية إلى وقتٍ قريب يمارس التصرف ذاته: «عزل المعوق عن المجتمع». أخيراً، بدأت وزارة التربية والتعليم برنامج دمج ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العامة في شكلٍ كامل، بعد أن كانت بدأته عام 1990 على نطاق ضيق جداً وفي شكل جزئي، قبل أن تبدأ برنامج الدمج الشامل عام 1997، ووصل معه عدد برامج الدمج 1488 عام 2004، في مقابل 12 عام 1995. وعلى رغم نجاح برنامج الوزارة على مستوى توفير التجهيزات المادية المطلوبة لتعليم المعوقين في برامج الدمج، أظهرت دراساتٍ أكاديميةٍ وتقييمية ضعفاً على مستوى توفير الكوادر البشرية وتأهيلها. وبحسب «الدراسة الوطنية لتقييم تجربة السعودية في مجال دمج ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام» عام 2006، فإن اهتمام برنامج الدمج بالكوادر البشرية المؤهلة المدربة لم يتجاوز 35 في المئة. يظهر المذيع السعودي يحيى الزهراني أمام شاشة كاميرا قناة «الإخبارية» السعودية في برنامج «منارات»، محاوراً ضيوفه عن ذوي الحاجات الخاصة في أول برنامجٍ من نوعه على خريطة برامج التلفزيونات الحكومية السعودية، ويختفي كرسيه المتحرك خارج إطار الكاميرا. يتحدث يحيى الزهراني، وهو عضو مجلس إدارة جمعية الإعاقة الحركية للكبار، عن الواقع الاجتماعي لذوي الحاجات الخاصة، ويقول: «لا يزال هناك الكثير لإنجازه لاندماج المعوقين، والمجتمع بحاجة إلى أن يعرف أن الإعاقة ليست حجر عثرة بقدر ما هي أحياناً بدايةٌ على طريق الإبداع». ويبدي الزهراني عدم رضاه عن حال الشفقة التي تحيط بالمعوق في السعودية: «لا بد من أن يعرف المجتمع أن العطف والشفقة لا يساعدان المعوق بقدر ما يساعده العمل الاجتماعي على تسهيل حياته». حكومياً، صدر نظام رعاية المعوقين عام 2001 وتضمّنت مواده التعريف بالحقوق التي تكفلها الدولة للمعوق في مجالات الصحة، التربية والتعليم، التدريب والتأهيل، العمل، المجالات الاجتماعية، الثقافة والرياضة، الإعلام والخدمات التكميلية، إضافة إلى إنشاء صندوق لرعاية المعوقين، وتكوين المجلس الأعلى للمعوقين بعضوية وزراء الحكومة السعودية، إلا أن غالبية مواد النظام ما زالت غائبة عن الواقع بعد 10 سنوات من إصداره، وأسيرةً لبيروقراطيةٍ حكومية تؤجلها، أو تنفذها بطريقة لا تتوافق وطموحات المعوقين، أو تضعها في أسفل قائمة الأجندة الوزارية. ومع وجود أكثر من 137 ألف معوقٍ - بحسب الإحصاءات الحكومية الرسمية-، تتلاشى مطالبات تعديل أوضاع المعوقين جذرياً بين المطالبات الفردية وغياب المرجعية الحكومية. ويقول يحيى الزهراني: «نسعى حالياً إلى المطالبة بتفعيل المجلس الأعلى للمعوقين، في الوقت الذي تغيب المرجعية التي يلجأ إليها المعوق»، مضيفاً: «لا يمكننا تحميل المسؤولية لشخص أو جهةٍ بعينها، فالقضية اجتماعية لا بد من أن يستشعرها كل فرد ومسؤول في قطاعات الدولة والقطاع الخاص». ويأمل المعوقون في السعودية في إيجاد حلولٍ عملية تساعدهم على إكمال حياتهم في شكل فاعل ومتفاعل مع المجتمع، وبسنّ أنظمة تتكامل مع بعضها البعض لتوفير بيئات العمل والمرافق العامة في شكل أفضل. وتسعى «جمعية الإعاقة الحركية للكبار» (حركية) إلى المطالبة بحقوق المعوقين من خلال عقد شراكات مع جهات حكومية كصندوق الموارد البشرية لتدريب وتوظيف طالبي العمل من الجنسين، ومطالبة هيئة حقوق الإنسان الحكومية السعودية بالتدخل لدعم توظيف المعوقين، إضافة إلى دعم مشاريع الجمعية مالياً بمشاريع وقفية للجمعية. ومع ذلك، يبرز نظام وزارة العمل الحالي في توظيف المعوقين، الذي أوجد مدخلاً لمؤسسات القطاع الخاص للتنصل من مسؤولية توظيف المعوقين في شكل صحيح أو توظيف الأصحاء، من خلال فسحة «توظيف شخص معوق بدلاً عن توظيف 4 أصحاء» لتحقيق متطلبات برنامج «السعودة»، والتي استغلها البعض في توظيف المعوقين بطريقةٍ شكلية، تهبهم الحق «نظامياً» في استقدام العمالة الأجنبية وتجنبهم مطالبات الوزارة العمالية في توظيف المواطنين السعوديين، في أوضح صورة لاختلال دور الأفراد والمؤسسات تجاه المعوقين في السعودية.