لأن البحث جارٍ عن الزئبق الأحمر في مكائن الخياطة الخاصة بجداتنا وأمهاتنا حتى تاريخه، إثر ضحكة فارغة من فارغ على العقول الأكثر فراغاً في ان المفقود نائم مسترخٍ موجود في الجزء السري المختفي في بطن الماكينة، ومن هذا المكان اتجهوا حالاً وقبلوا رؤوس الجدات والأمهات، إن كن على قيد الحياة، واطلبوا منهن «مكائن الخياطة» بأي ثمن، وأجلوا دعواتهن الأثمن لحين قبض المبالغ الأغلى من السوق المهزلة الجديد، ثم ابحثوا في كل مقتنياتهن، بل ومن الآن احتفظوا بها للتاريخ والثروة والشائعة والتخلف الفكري، وتحسباً لمزاين قادم «لمكاين الخياطة»، لم ولن تكن شائعة «الزئبق» لتنطلق وتجد الرواج والحضن الدافئ والوقت الضائع والعقل الغائب وكل هذا الضجيج، لو أن مطلقها لم يعلم تمام المعرفة ويتأكد تماماً أننا الوحيدون الذين نبلع بلذة ونصدق بسذاجة أي شائعة بمجرد أن نسمعها، حتى وعلى لسان طفل صغير لا يفك الحرف، ولذا كانت ماكينة الخياطة آخر القفشات، وشر البلية ما يُضحك! أن نصبح الوسط الأسهل في الضحك على الذقون، والنصب والاحتيال، فذلك يحتاج لمراجعة شاملة، وإعادة تهيئة للقرص الاجتماعي، ولم يكن هجومي السابق إلا لأني أثق في أن هناك عقليات ثابتة لا تنطلي عليها مثل هذه الأكاذيب، ولا يمكنها تقبل شائعة هزيلة كهذه، ولمن قال بأن البسطاء الضعفاء هم من انطلق للبحث والاستقصاء والشراء والبيع والسؤال المستمر، فهنا المشكلة، مع أن بسيطاً عاقلاً واحداً لو أضاء مساحة صغيرة من مخه وبحث عن من صنع هذه المكائن، وعرف انهم الألمان، فهل نحن أذكى منهم في كشف الزئبق واستخراجه؟ ونحن الذين اشترينا منهم بالجملة ذات زمن ماضٍ بقيمة لا تذكر. الماكينة تذهب بمحتويات الجيب وحصاد اليوم من عرق الجبين في مزايدة ومساومة مغلوطة لا يمكن تصديقها، وتهيئ مع الزمن مخازن ومستودعات للمقتنيات الأسرية القديمة لن تعود بالنفع ولكن ستنتقل من جيل حالٍ متهور إلى جيل قادم تقني سيضع كل هذه المقتنيات في الحاوية المعروفة الأكثر استقبالاً، إذا ذهب العقل وحل محله الطمع والجشع في سرعة فائقة وبكذبة حاضرة، فكيف نتنبأ بمجتمع يتصدى لشائعات أكثر ضرراً عليه، وكيف نتصدى للشائعات التي تمس الفكر والإنسان، ومنا من يتمدد ويستسلم ويتفاءل بأي خدعة، ويتقبل فوراً الشائعة القادمة، أخشى ان يأتي نصاب جديد ليصب في الأدمغة كذبة الناتج المذهل من طحن فنجان الشاي وهرسه ثم مزجه مع فنجان قهوة فاخرة وخروج فضة خالصة النقاء وغالية الثمن، أخشى أيضاً أن يأتي من يحتفظ بمسبحة جده الخشبية المتهالكة ويخاف عليها أكثر من نفسه، انتظاراً لأنها ستكون في يوم ما الحلقة المفقودة لعقد ماسي يباع بملايين الريالات. صارت مساحة التوقع لأي شيء مشرعة مفتوحة، ومطاردة فقاعات الصابون هواية محببة لأفراد غريبين، نتقبل الشائعات بسرعة البرق ونجاهد من أجلها ونبذل الغالي والنفيس، على رغم أن المحصلة الحقيقية صفر مكعب، وضياع مؤكد للمال والجهد، وقبل كل ذلك العقل والثروة الأغلى، ما تبقى في المساحة علينا ان نحسب فيه الزمن اللازم القادم لكي نمسح من الدماغ بالكلية حقيقة هذه الشائعة وأمثالها، أتمنى ألا يطول!