في أوقات الركود العسكري والخواء الإرهابي، يجد المشاهد العربي نفسه بين نارين: الانغماس في الدراما والأغاني من جهة، أو الانغماس في حل الفوازير من جهة أخرى. وإذا كان الفن، بغض النظر عن تقييم مضمونه، وسيلة كلاسيكية لرفع الغمّة عن القلوب، وإدخال البهجة في النفوس، وإعادة الأمل، ولو ظاهرياً، إلى العقول، فإن الموجة العاتية من الفوازير التي يجد المشاهد العربي نفسه محاطاً بها هذه الآونة غير محددة الأهداف. فقد جرت العادة في عصر الفضائيات أن يتنازع قطبا البث التلفزيوني - وهما الدراما والأخبار - اهتمام المشاهد حسب الظروف والأحوال السائدة عربياً. فالقنوات الإخبارية أو تلك المندرجة تحت بند «الجدة» تفوز في سباق الاستحواذ على المشاهد في أوقات الحروب والأزمات والكوارث السياسية والعسكرية والطبيعية، وهي أوقات أرادت المشيئة الإلهية أن تختص المنطقة العربية بنصيب الأسد منها. وفي الأوقات التي تفصل بين كارثة وأخرى، أو بين مصيبة ومأساة، يسارع المشاهد بتحويل دفة الريموت إلى فيلم عربي قديم يبكيه على قيم ولّت وأدبرت، أو آخر حديث يضحكه على ما آلت إليه الأمور من سطحية وضحالة، أو إلى أغنية طربية فيتمايل مع دندنة العود وشجن القانون، أو حتى إلى أغنية فيديو كليب ليطالع أحدث ما توصل إليه سوق السليكون. هذا الوضع ظل على ما هو عليه حتى عهد قريب، حين تعرض المشاهد المسكين لهجمة شرسة من مؤلفي الفوازير ومعدي الأسئلة ومنظمي المسابقات وهواة الألغاز، حتى أن ساعات البث التلفزيوني لعدد ضخم من القنوات باتت لا تخلو من أسئلة دقيقة عن اسم الحيوان الذي لو أضيف إلى أوله حرف صار اسم حيوان آخر، أو تلك التي تطلق للخيال العنان فتطلب من المشاهد العربي التكهن بسبب نوم النملة على جنبها. فوازير أخرى انتشرت انتشار النار في الهشيم هي تلك التي تجمع بين الكرتون والألعاب، وتحتم على المشاهد الوصول إلى هوية الجاني في جريمة ما، أو معرفة مهنة العريس المتقدم الى الفتاة، أو اسم البلد أو المدينة التي تجري أحداث البرنامج فيها. وقد يكون السؤال فنياً، فيظهر وجه فنان (أو فنانة) بعد تمويه ملامحه، وعلى المشاهد القابع أمام الشاشة بذل كل ما في وسعه للتوصل إلى اسم صاحب الصورة. وقد تأتي الفزورة على هيئة تمويه أو خلط للنغمات الموسيقية بغرض أن يتوصل المتفرج إلى اسم الأغنية والمطرب. ولأن مثل هذه الفوازير، مهما كانت صعوبتها أو سهولتها، وبغض النظر عن أهميتها أو تفاهتها، تظل تمريناً ذهنياً يستلزم التركيز والتفكير والتمحيص وبذل الوقت وكذلك المال – للاتصال - من أجل التوصل إلى الحل، فإن البعض بدأ يتنبه إلى هذا الفخ الجديد الذي بات ينافس الدراما والأغاني على عرشهما المهدد أصلاً بكثرة توالي المصائب والكوارث. آخرون يتساءلون في نبرات لا تخلو من خبث عن حال العرب لو استثمروا هذا الوقت والجهد والمال في حل المعضلة العراقية أو الكارثة السودانية أو المأساة الصومالية أو حتى القضية الفلسطينية.