بات واضحاً أن إدارة الحكومة الإيرانية للملف النووي لم تعد تهدف الى مجرد الحصول على الطاقة النووية السلمية. كما انها لم تعد تهدف الى مجرد التسوية مع القوى الإقليمية والعالمية الرافضة لمزيد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة. لقد باتت هذه الإدارة تهدف الى مراكمة مزيد من الالتباسات في شأن النيات الإيرانية إزاء البرنامج النووي من جهة، والمؤدية الى مزيد من التوتر مع الخارج. لتتطابق السياسة النووية الإيرانية الرسمية، وما تنطوي عليه من توتر مع الخارج، مع النهج التصعيدي الداخلي في مواجهة المعارضة الإصلاحية. وبذلك، ليس من الصدفة أن يتزامن إعلان مزيد من مراكز التخصيب، على رغم العرض الغربي المغري، مع مزيد من الاتهامات لأركان المعارضة والقمع والاعتقال لأنصارها. لقد نجح يوماً أسلوب توحيد الداخل في ظل عداء للخارج، خلال حرب الخليج الأولى، بفعل سوء تقديرات الحكومة العراقية آنذاك. وتمكن الزعيم الراحل آية الله الخميني أن يقضي على معارضيه الداخليين تحت شعار التوحد لمواجهة الخطر القومي الذي شكله نظام صدام حسين. لكن ظروف المعركة التي تريد طهران فرضها تغيرت كثيراً. ولم تعد إيران مهددة في سلامة أراضيها. ولجذب مثل هذا التهديد تزيد طهران الالتباسات حول نياتها النووية، ما قد يستدر تهديداً بالتدخل العسكري لمنعها من الحصول على الطاقة النووية العسكرية. ولتنطلق بعد ذلك شعارات الدفاع عن السيادة واتهامات الخارج بالتآمر والتخوين للمعارضين. لكن هذا الخط استنفذ كثيراً من أغراضه، نظراً الى تكراره المستمر عند كل أزمة داخلية. وبعدما سقطت رهانات طهران على انقسامات داخل الصف الدولي المناهض لبرنامجها النووي العسكري. بعد انضمام الصين وروسيا الى الدول الغربية في التصويت على القرار الأخير لوكالة الطاقة الذرية ودعوتهما طهران الى ضرورة الشفافية والى الرد إيجاباً على عرض مجموعة «5+1». وفي الجوار الإيراني، ساهم انفتاح الحكومة التركية الحالية على قضايا المنطقة في نزع فتيل التوتر مع طهران. وإذا كانت الأخيرة تحتاج لأنقرة في ظل أي تصعيد للعقوبات، فان ذلك لم يحد من المعارضة التركية لاحتمال حصول إيران على السلاح النووي، على رغم تشديدها على الحل السلمي للأزمة. ويبدو أن طهران وجدت ضالتها في «خط العداء الخارجي» في الجوار العربي. علماً أن السعودية هي الدولة الأولى التي اقترحت حلاً دولياً لمشكلة التخصيب لأهداف سلمية عموماً في المنطقة، عبر تشكيل كونسورتيوم في بلد محايد يتولى تزويد دول المنطقة بما تحتاج إليه من يورانيوم مخصب لبرامجها السلمية. وإذ رفضت إيران التعامل مع هذا الاقتراح، كغيره من المشاريع، فانها لم تكن مرتاحة الى الرفض السعودي لسباق التسلح النووي في المنطقة. وراحت تتصرف إزاء دول الجوار العربي عموماً، والسعودية خصوصاً، من منطلق انها هي التي ستوفر حجة العداء الخارجي. ومن هذا المنطلق تمكن مقاربة التعامل الإيراني مع التمرد الحوثي في اليمن، وصولاً الى محاولة تمدده في اتجاه السعودية. فمنذ اندلاع ما يسمى بالحرب السادسة في اليمن، لم توفر طهران مناسبة، على نحو رسمي مباشر أو عبر الإعلام التابع لها، إلا وتشير الى تدخل سعودي في هذه الحرب، وصولاً الى التسلل الحوثي الى داخل الأراضي السعودية. لقد التقطت الرياض الرسالة، ولذلك أظهرت كل أنواع الحزم في التعامل مع هذا التسلل الذي ما زال يتكرر بعناد مدهش. في الوقت الذي بدأت طهران تنظر الى دفاع السعودية عن سيادتها على انه استهداف للحوثيين بسبب انتمائهم المذهبي. والهدف من التركيز على هذا الجانب والإصرار عليه هو وضع السعودية في مواجهة مذهبية طرفها الآخر يصل الى طهران. ولتصبح السعودية «عدواً خارجياً» تُخاض ضده معركة عسكرية، عبر الحوثيين. لكن هذا النهج لم يقنع أحداً ولم يجد من ينضم إليه في المنطقة، بدليل الإجماع على حق السعودية في الدفاع عن أراضيها. وفشل هذا النهج كما فشل قبله السعي الى تحويل موسم الحج الى مشكلة إيرانية - سعودية، بفعل إصرار الرياض على تقيد جميع الحجاج بالمناسك المتعارف عليها وإعلان عزمها على عدم التسامح مع أي إخلال بأمن الحج. والآن خرجت طهران لتتهم السعودية بالتواطؤ على تسليم أميركا عاملاً نووياً إيرانياً، في محاولة لجعل الرياض جزءاً من معسكر أعداء إيران في الملف النووي. لتكتمل صورة النظرة الإيرانية الى السعودية ودورها في المنطقة.