لا جدال في أن استراتيجية أوباما بأفغانستان أكثر عقلانية من استراتيجية بوش، ومن أوهام نشر الديموقراطية. ولكن هذه الاستراتيجية قد لا تكون مجدية من طريق انتهاج العسكرية الاميركية في العراق. فالمجتمع العراقي برهن على أنه قادر على عقد اتفاقات سياسية، على خلاف المجتمع الافغاني. ففي العقود الثلاثة الماضية، فشلت المراهنة على إرساء علاقات داخلية مستقرة في افغانستان، وإنشاء قوات ذاتية لا تبدل ولاءاتها بتبدل الظروف. ودور المؤسسات السياسية الافغانية شكلي. فالمؤسسات هذه هي في مثابة ستارة تحجب العلاقات الأبوية والقبلية والعشائرية والاثنية. والعلاقات هذه أكثر رسوخاً في أفغانستان منها في العراق. وأبرز مشكلة هي عسر الموازنة بين مصالح جماعات مختلفة تتنازعها تأثيرات باكستانية وإيرانية. وقد لا تفلح القوات العسكرية الإضافية في وقف تدهور الاوضاع الافغانية. ويبعث تحديد أوباما مهلة زمنية قصيرة لانهاء الحرب على العجب. فالمهلة هذه لا تحتسب مسار الحرب. وهي قد تحفز طالبان على تكثيف هجماتها. وتواجه «حرب اوباما» في افغانستان مصاعب كثيرة. فالسياسيون الاميركيون منقسمون بين مؤيد ومعارض. ولن يوفر إرسال حلفاء أميركا في «الناتو» قوات عسكرية متواضعة، لا يتعدى عددها 5 آلاف عسكري، دعماً يعتد به للقوات الاميركية. وتؤيد روسيا استراتيجية اوباما. فهو تفهّم مصالح روسيا، وقدّم تنازلات لها في مسائل أساسية. ولكن موسكو لا تنوي إرسال قوات روسية الى افغانستان. وتأييدها الولاياتالمتحدة لن يسهم في ارساء الاستقرار بأفغانستان، على رغم أن مثل هذا الاستقرار حيوي لاستقرار منطقة آسيا الوسطى. وأمن روسيا يرتبط بأمن آسيا الوسطى. ولا ريب في أن فرض عقوبات اقتصادية على إيران أو توجيه ضربة عسكرية الى منشآتها النووية يُعقّد وضع المنطقة. فإيران ستحاول عرقلة استراتيجية اوباما الافغانية التي تتعارض مع مصالحها، وتسعى في الضغط على الولاياتالمتحدةبافغانستان. وقد يحمل فشل استراتيجية اوباما الافغانية، وانسحاب القوات الاميركية من أفغانستان، مقاتلي طالبان المتحدرين من دول آسيا الوسطى على التحرك لزعزعة استقرار المنطقة. فتضطر روسيا، وهي على رأس «قوات الرد السريع» في منظمة الامن الجماعي، الى مواجهتهم. وقد تنسحب الولاياتالمتحدة من أفغانستان، وتعزز قواتها في قواعدها العسكرية في قيرغيزيا وطاجكستان، وتتوسع إلى أوزبكستان. ومثل هذا التوسع قد يعكر علاقات واشنطن بالصين وروسيا. وترى بكينوموسكو أن آسيا الوسطى هي منطقة مصالح حيوية لكليهما. واحتدام المنافسة بين الدول العظمى يرتب نتائج لا تحمد عقباها بأفغانستان وآسيا الوسطى. * محلل سياسي، عن «غازيتارو» الروسية، 3/12/2009، إعداد علي ماجد