يدفع الصناعيون السوريون تكلفة باهظة نتيجة الحرب التي دمرت منشآتهم ومعاملهم، وأرغمت قسماً منهم على مغادرة البلاد، بينما اضطر من بقي منهم في سورية إلى تحمل أعباء إعادة بناء منشآتهم والتوسط لدى الحكومة السورية للوقوف إلى جانبهم وتقديم الخدمات لهم من ماء وكهرباء وغيرها من المستلزمات الضرورية لإعادة إنطلاق الصناعة السورية وكأن "مرحلة إعادة الأعمار" هي عبء يقع على عاتق الصناعيين وحدهم. بهاء، صناعي من حلب يقول "بسبب ما أصاب المنطقة الصناعية في المدينة من تدمير وسرقة للمعامل جعلنا نتوقف عن الإنتاج لمدة ستة أشهر، ومن بعدها انتقلنا للعمل إلى وسط المدينة ضمن بناء سكني وهذا ما تسبب بانخفاض الطاقة الإنتاجية لمعملنا إلى الربع، مقارنة بالكميات التي كنا ننتجها في السابق". وتابع "ومع ذلك نقوم بتصدير 60 في المئة من بضائعنا إلى الأسواق المجاورة (العراق- دول الخليج-الأردن-مصر-ليبيا)، وفي السابق كنا نصدّر لأوروبا فيما نورد للسوق المحلي 20 في المئة من البضاعة ونتيجة لصعوبة الإنتاج وظروف العمل، أدى ذلك إلى ارتفاع كلفة القطع المنتجة وبالتالي الزيادة على أسعارها بالنسبة للمستهلك المحلي". ويشرح بهاء: "أصعب ما يواجهه الصناعي هو موضوع الأمن والاستقرار ليستطيع الحفاظ على صناعته، فمساحة كبيرة من المناطق مهدّدة، كما أننا محاصرون من جهة ريف إدلب والريف الحلبي. هذا، بالإضافة إلى صعوبة تأمين العمالة، فغالبية الشبان هربوا خارج البلاد لأنهم مطلوبون كاحيتاط للخدمة العسكرية. ولتعويض هذا النقص في العمالة ولتأمين اليد العاملة المطلوبة، قمنا بتنظيم دورات للشبان والشابات وخصوصاً من النازحين كي نستطيع سد حاجتنا من جهة وبما يؤمن لهؤلاء النازحين رواتب معينة، من جهة أخرى". ووفق ما أظهره التقرير الأخير الصادر عن "المركز السوري لبحوث السياسات"، فإن النمو المستقبلي للإقتصاد السوري بات معرّضاً للخطر نتيجة الانهيار والتدمير المُمنهجين لمقوّماته الإقتصادية وبنيته التحتية ومؤسساته ورأسماله البشري والمادي، بالإضافة إلى تبديد ثروة الوطن. وأوضح نقولا وهو صناعي من محافظة اللاذقية "حتى المنشآت التي استمرت في العمل في بعض المحافظات، لم تكن أفضل حالاً من غيرها. تمكنا من الاستمرار في العمل على اعتبار أن محافظة اللاذقية بقيت ضمن المناطق البعيدة عن الاشتباكات، لكن ذلك لا يعني أننا لم نواجه صعوبات كغيرنا من المنتجين في أمور النقل والشحن والتسويق وأيضاً في مجال توفير الطاقة والكهرباء. فمع الانقطاع المستمر للكهرباء، اضطررنا لشراء المولدات والتي يتطلب تشغيلها تأمين مادة المازوت بأسعار مضاعفة عن السعر الرسمي. كل هذه التكاليف الإضافية تم تحميلها على كلفة المنتج النهائي للمستهلك والتي زادت بنسبة 15-25 في المئة، كما تأثرت أرباحنا". ويُشير تقرير "مركز بحوث السياسات" إلى تسجيل تحسن بسيط في قطاع الاستثمار الخاص، الذي ارتفع في عام 2014 ارتفاعاً طفيفا بنسبة 1.4 في المئة مقارنة بعام 2013 . ويعود هذا الارتفاع إلى الاستثمار في الصناعات التحويلية في المناطق المستقرة نسبياً، لكن ذلك لا يشير إلى التعافي و/أو الأستدامة، وإنما يدل على أن قطاع الأعمال يحاول التكيف جزئياً مع ظروف النزاع المسّل، في ما يمكن تسميته "خسارة الأمن الإقتصادي". ويقول الصناعي أيمن المولوي "حاول الصناعيون التكيف مع الظروف ليحافظوا على إنتاجهم وهناك من عاد منهم للإنتاج من جديد، خصوصاً في مجال صناعة الألبسة المختلفة ولا شك أن ما عانى منه الصناعيون كان صعباً وهم من دفع الثمن. ورغم ذلك، يتم العمل على إعادة الإنتاج من خلال تجمعات ومناطق صناعية أُنجزت لها مخططات تنظيمية وشُكّلت لها لجان تضمّ مستثمرين والجهات الإدارية والمحافظة. وعلى سبيل المثال، تشهد منطقة صحنايا الصناعية تجاوباً جيداً في إدارة المنطقة من جانب الصناعيين، الذين تحمّلوا تكاليف كبيرة لإعادة العمل فيها وتوفير الكهرباء للمنشآت، حيث قامت وزارة الكهرباء بوضع مخرج خاص لهذه المنطقة الصناعية، فتُزوّدها بالكهرباء بشكل مستمر لمدة خمسة أيام، فيما بلغت كلفة المشروع حوالى 38 مليون ليرة، دُفعت من جانب الصناعيين".