تزامناً مع مبادرة «نتذكر لنرتقي» الهادفة إلى تسليط الضوء على رواد التعليم الأوائل في المملكة، يُكرم أمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود المربي صالح الصقعبي (رحمه الله)، صاحب أول مدرسة أهلية في نجد، والتي انطلقت قبل 110 أعوام باعتبارها واحدة من أقدم المدارس الأهلية في السعودية. ففي الجزء الشمالي من وسط البلاد، بدأت في بيوت الطين، وكانت انطلاقتها ب400 طالب، وفي مبنى يتكون من طابقين، مستخدمة طريقة مبتكرة آنذاك بتعليم طلابها على فترتين من دون أن تُغفل أي علوم تكون ذات مردود إيجابي لهم، ما جعلها تخرج أعلاماً أُشير إليهم بالبنان لاحقاً. تميزت مدرسة الصقعبي الأهلية التي أسسها صالح الصقعبي عام 1327ه، في مدينة بريدة، بأسلوب تعليم فريد من خلال تطبيقها لنظام تعليمي صارم، واستخدامها لنظام اليوم التعليمي الكامل على فترتين خُصصت الفترة الصباحية لعلوم القرآن واللغة العربية والخط العربي في المبنى المخصص لها. فيما تبدأ الفترة المسائية بعد صلاة العصر، وينتقل بطلاب المستويات العليا إلى محلات مستأجرة في المجلس (السوق المركزي) ليتم تعليمهم الحساب والإملاء على مرأى ومسمع التجار والباعة، لافتاً انتباههم إلى أهمية العلم وتعزيز الجانب التطبيقي في نفوس طلابه. ولم يُغفل المربي أهمية تعلم العلوم الدينية والشرعية، ليلتقي بطلابه بعد صلاة المغرب في فترة خُصصت للعلوم الشرعية في العقيدة والحديث والفقه، ليكونوا علماء ودعاة وقادة رأي مؤثرين في محيطهم. وعلى رغم الصرامة التي تميزت بها تلك الحقبة من الزمان إلا أن الصقعبي اعتمد مبدأ الثواب والعقاب، فكانت تكافئ المتميزين بتنظيم رحلات برية، مُفعلة الأنشطة اللاصفية إيماناً من القائمين عليها بأهمية ذلك. ولأنه أدرك باكراً أن التربية لا تقل أهمية عن التعليم ،عمل (الصقعبي) على ترسيخ آداب طلب العلم لدى التلاميذ وحرص على إشاعة مكارم الأخلاق والقيم الإسلامية النبيلة بينهم، ولأجل تشجيع الطلاب على التحصيل الدراسي والجد والاجتهاد اعتمد مبدأ الثواب، ولم يكتفِ بالعقاب، كما كان ينظّم الرحلات البرية للطلاب المتفوقين إيماناً منه بأهمية النشاطات اللاصفية ودور الترفيه في زيادة ارتباطهم بالعلم وتعميق صلتهم بمعلمهم وزملائهم. الشيخ حمد الجاسر، والشيخ صالح الخريصي، والشيخ الرحالة محمد ناصر العبودي، والأمير محمد السديري، الشيخ إبراهيم آل إبراهيم وغيرهم الكثير يُعدون من أبرز خريجي تلك المدرسة، ليسجلوا شهادة تميز للصقعبي ومدرسته، إذ إن عدداً من خريجي هذه المدرسة احتلوا أماكن مرموقة على مدى عقود من الزمن في الدولة. وكان صالح الصقعبي المولود في مدينة بريدة عام 1305 ه، أنشأ أول مدرسة بمفهومها الحديث تحت مسمى مدرسة الصقعبي الأهلية عام 1327 ه، بعد أن تلقى العلوم الأساسية من والده الذي أشتهر بكتابة العقود والمواثيق وحفظ وتعليم القرآن، وعلى رغم تفرغه لهذه المدرسة إلا أنه لم يكن يهتم كثيراً بالعائد المادي، إذ إن كثيراً ممن التحق بمدرسته كانوا من أبناء الفقراء، أو ممن أعفاهم من الرسوم الدراسية، وكان ينفق على شؤون المدرسة ومساعدة المحتاجين من الطلاب من ماله الخاص. وقبل وفاته بفترة وجيزة أصدر المؤسس الملك عبدالعزيز قراراً بتعيينه مديراً لأول مدرسة حكومية نظامية في بريدة إلا أنه توفي عام 1357ه، قبل أن يتولى هذا المنصب.