يتطلع الفلسطينيون، بعد انضمامهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلى عهد جديد تتمكن فيه المحكمة الدولية المختصة في جرائم الحرب، من ردع إسرائيل عن مواصلة الاستيطان واستهداف المدنيين في أراضي دولة فلسطين التي تتمتع بمكانة عضو مراقب في الأممالمتحدة، إن لم تتمكن من محاسبة قادة الدولة العبرية على جرائم الحرب السابقة، خصوصاً الاستيطان والحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة التي قتل فيها اكثر من 2200 مواطن، ثلثاهم من المدنيين. وتعد لجنة فلسطينية مختصة تضم عشرات السياسيين والخبراء القانونيين، وثائق في ملفي الاستيطان والحرب الأخيرة على قطاع غزة لتقديمها إلى المحكمة. وقال رئيس اللجنة الدكتور صائب عريقات ل «الحياة»: «نعد كل الوثائق التي تتعلق بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة وبالاستيطان لتقديمها إلى المحكمة». وأضاف: «انتهى الزمن الذي كانت فيه إسرائيل محصنة أمام القضاء الدولي، اليوم يستطيع الشعب الفلسطيني، بعد أن حازت دولة فلسطين على عضوية المحكمة الجنائية الدولية، أن يلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين قانونياً». وتابع: «من لا يريد المحاكم، عليه أن يتوقف عن ارتكاب جرائم الحرب». ووقعت فلسطين على ميثاق روما المنشئ للمحكمة الدولية بتاريخ يسبق الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في تموز (يوليو) العام الماضي، لتشمل الولاية القانونية للمحكمة الحرب وما جرى فيها عن عمليات قتل جماعي ترقي إلى جرائم الحرب. ويعتبر ميثاق روما المنشئ للمحكمة عام 2002، استهداف المدنيين في وقت الحرب، ونقل المدنيين من الإقليم المحتل، ومصادرة أراضيهم ومنحها لسكان الدولة المحتلة، جرائم حرب. وتستهدف المحكمة مجرمي حرب أفراداً وليس دول. وقال مسؤول فلسطيني رفيع: «يمكننا من الآن فصاعداً، أن نلاحق قادة إسرائيل المسؤولين عن الاستيطان في كل مكان في العالم، وسيأتي يوم لن يستطيع فيه قادة إسرائيل من الدخول إلى أي دولة في العالم، باستثناء أميركا التي تقف مع إسرائيل حتى لو اقتضى الأمر مخالفة القانون الدولي». ويجري رفع الدعاوى أمام المحكمة الدولية عبر واحدة من ثلاثة وسائل، الأولى بطلب من مجلس الأمن، والثانية بطلب من المحكمة نفسها، والثالثة بطلب من إحدى الدول الأعضاء. لكن الطريق إلى المحكمة مليئة بالعقبات والتحديات القانونية، ما يجعل النظر في القضايا المعروضة أمامها عملية طويلة تستغرق سنوات، وربما عقود. وقال وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور رياض المالكي الذي شارك أمس في حفلة انضمام فلسطين إلى عضوية المحكمة: «لا أريد أن أحبط شعبنا، لكن علينا أن نعرف أن المحكمة ذات إجراءات بطيئة وطويلة، وقد تستغرق سنوات طويلة». وأضاف: «المحكمة تواجه عقبات وتحديات كثيرة، ما يجعل إجراءاتها بطيئة، فمن الممكن أن تطلب المحكمة من إسرائيل تسليمها أحد المسؤولين لمحاكمته، لكن إسرائيل سترفض، ومن الممكن أن تعلن إسرائيل أنها تجري تحقيقاً في قضية ما لجعل المحكمة توقف إجراءاتها». وينص ميثاق المحكمة على عدم النظر في القضايا الجاري التحقيق فيها في الدول ذات الشأن. وأعدت إسرائيل الكثير من الدفوعات التي يعتبرها رجال القانون قوية، لرد تهمة استهداف المدنيين في الحرب الأخيرة على غزة، منها توزيع مناشير على مناطق سكنية واسعة تطلب فيها من السكان مغادرة المنطقة، ومنها أيضاً إطلاق صواريخ تحذير على مبان قبل قصفها. لكن الفلسطينيين ومنظمات حقوق الإنسان حضرت ردوداً لا تقل قوة على تلك الدفوعات، منها أن القصف كان يحدث بعد دقائق من التحذير، وأن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أي تحذيرات في مئات عمليات القصف التي سقط فيها مئات المدنيين. وأعلنت المدعية العامة للمحكمة قبل شهرين فتح تحقيق أولي لفحص إمكان وقوع جرائم حرب في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. وقدمت الفيدرالية الدولية لمنظمات حقوق الإنسان وثائق إلى المحكمة عن الانتهاكات الإسرائيلية. وقال عضو في اللجنة الوطنية الفلسطينية المختصة بالمحكمة إن العمل جار على إعداد وثائق خاصة عن الحرب لتقديمها إلى المحكمة فور إعلانها بدء تحقيق رسمي في الحرب. ويقول خبراء القانون الدولي إن إجراءات التحقيق الأولى ربما تستغرق سنوات، وان التحقيق الرسمي ربما يستغرق سنوات أطول بكثير مما يستغرقه التحقيق الأولي. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الفلسطينية إن قضية مثل الاستيطان والحرب الأخيرة على غزة، قد تستغرق عشر سنوات وأكثر، مضيفاً: «لكن بالتأكيد إن انضمامنا إلى المحكمة يرعب إسرائيل التي نتطلع إلى أن تردعها المحكمة عن مواصلة جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية».