اجتمع خبراء ومديرو شركات وشخصيات أساسية في التقنيات الرقمية، في مدينة «لوس أنجليس» بولاية كاليفورنيا أخيراً، للاحتفال بمرور 40 عاماً على ابتكار الإنترنت. وحضر الاجتماع ليونارد كلاينروك (75 عاماً) Leonard Kleinrock الذي يقف وراء هذا الاختراع الذي غيّر العالم. وقال كلاينروك: «قبل أربعين عاماً كانت أولى خطوات الإنترنت... تمكّنا من إجراء اتصال بين جهازي كومبيوتر يبعدان عن بعضهما 4.5 متر، في 29 تشرين الأول (نوفمبر) من عام 1969». وشارك كلاينروك في مؤتمر عقد بمناسبة هذه الذكرى جمع بين ذكريات البدايات غير المعروفة ونقاشات حول مستقبل هذا الاختراع. ولاحظ بعض المشاركين أن المؤتمر بدا وكأنه يتعلق بإعادة تشكيل العالم برمته. وأكّد كلاينروك أن الإنترنت «من عناصر الديموقراطية، إذ يتساوى الجميع على هذه الشبكة العنكوبتية العالمية». وقال: «لا يمكن العودة إلى الوراء ولا يمكننا وقف الزمن... لقد حل عصر الإنترنت». واعترف بأنه قبل أربعين عاماً، لم يكن من المتخيّل ظهور شبكات تواصل اجتماعي مثل «فايسبوك» و «تويتر» و «يوتيوب» و «ماي سبايس» وغيرها. واعتبر ان تلك المواقع تؤكد تسرّب الإنترنت إلى نواحي الحياة كافة. واعتبر كلاينروك ان «طفلته» وصلت حاضراً إلى سن المراهقة، ولذا فإنها تتصرف بشكل سيئ أحياناً فيظهر جانبها غير الصالح. واعتبر أن الإنترنت تسير صوب سن الرشد وتتجاوز هذه «الأزمة» في إشارة منه إلى الفيروسات والبرامج المضرة وعمليات الاحتيال المنتشرة على الشبكة العنكبوتية. حلول في العالم الحقيقي وبيّن كلاينروك أنه حتى قبل أربعين سنة، سادت ثقة تامة بأن الحواسيب قادرة على التواصل في ما بينها، خصوصاً في مراكز البحوث الكبيرة، وان استخدام الشبكة التي ستنجم عن التواصل بين الكومبيوترات ستكون بسهولة استخدام الهاتف. وأوضح أن هذه الثقة العلمية ساندته في الجهود الضخمة التي بذلها للتوصل إلى اختراعه الكبير المتمثّل بالإنترنت. وذكّر بأن الإنجاز الأساسي الذي سمح بتبادل المعلومات بين أجهزة كومبيوتر مختلفة، تمثّلت في التوصل إلى طريقة لتوزيع المعلومات المكتوبة باللغة الرقمية، إلى رزم ترسل عند الطلب مباشرة. والمعلوم أن شركة الاتصالات «ايه تي اند تي» صنعت حينها كوابل لتصل بين الحواسيب في مشروع عسكري سري لإقامة شبكة «أربانت» Arpanet التي ربطت مراكز التحكّم في الصواريخ الاستراتيجية. وعند بداية تجربة الاتصال بين الحواسيب، كتب المهندسون كلمة «لوغ» log كي ترسل الى كومبيوتر آخر. وفي التجربة الأولى، تعطل الاتصال بعد إرسال الحرف الثاني! ووصف كلاينروك ذلك بأنها نجاح في بث رسالة صغيرة، حتى لو كانت من حرفين. وفي المحاولة الثانية، دخل فريق كلاينروك إلى الكومبيوتر من خلال إرسال رزم من البيانات الرقمية بين حاسوبين مرتبطين بشبكة «أربانت». ونجح الأمر. وفي نهاية العام ذاته، أضيفت حواسيب في جامعتين أميركتين أخريين إلى الشبكة. ولأن تلك التجارب جرت ضمن مشروع عسكري استراتيجي، جاء التمويل لمشروع «أربانت» من «مركز البحوث المتقدمة»، ويشتهر باسم «درابا» DRAPA، التابع للبنتاغون. والمعلوم أن مركز «درابا» تأسس في عام 1958 للرد على إطلاق الاتحاد السوفياتي القمر الاصطناعي الأول «سبوتنك» إلى الفضاء. وأضافت «المؤسسة الوطنية للعلوم» أربعة حواسيب عملاقة إلى تلك الشبكة في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ما سمح لعدد أكبر من العلماء بالانضمام إلى «أربانت». ورويداً رويداً، استرعت الإنترنت انتباه الجمهور العريض، خصوصاً عِبر خدمة البريد الالكتروني في أماكن العمل، ما أدى إلى فورة في هذا المجال. وتوقّع كلاينروك أن تتمثّل الخطوة التالية في تطوّر الإنترنت بانتقالها إلى العالم الفعلي، بمعنى أن تكون الانترنت موجودة في كل شيء، وفي كل مكان. والمعلوم ان الخبراء يطلقون على هذا الانتشار اسم «الحوسبة الكلية القدرة» («أبكويتُس كومبيوتنغ» Ubiquitous Computing). وأعلن مخترع الإنترنت أن ملايين من الأشخاص ساهموا في التوصل إلى هذا الإنجاز الذي نال شرف ابتكاره عِبر تجربة الاتصال الأول بين كومبيوترين أحدهما في جامعة كاليفورنيا (في لوس أنجليس) والآخر في معهد ستانفورد للبحوث. وأشار إلى أنه يعمل على مشروع جديد يخرج العالم الرقمي من الشاشة الرقمية الى العالم الفسيح. كما أعرب عن قلقه من إساءة استخدام الإنترنت. ولفت كلاينروك الى أن المشرفين على التجربة لم يعتبروا أنهم يعيشون لحظة تاريخية، ولم يرد إلى ذهنهم استخدام عبارات مؤثرة مثل عبارة «خطوة كبيرة للإنسانية» التي استخدمها نيل أرمسترونغ على القمر في العام عينه. وأعرب عن ثقته بأن الإنترنت ستصبح أكثر آماناً، كما ستتوافر على الدوام بحيث يمكن الدخول إليها عبر أي جهاز ومن أي مكان، وكذلك ستكون غير مرئية مثل الكهرباء. ولم يتوسّع في الحديث عن الطابع الاجتماعي للإنترنت، على رغم قوله ان أمه ظلّت تستعمل الشبكة حتى وفاتها قبل سنتين عن عمر 99 سنة، كما تستخدمها حفيدته التي لم تذهب بعد إلى المدرسة. وقال ان البرامج الجديدة على الإنترنت تتمتع بمميزات كثيرة وهي تدفع الناس إلى تعلمها لأنهم دفعوا ثمنها معتبراً أن ذلك يشجع على التفكير الناضج. وأعلن أنه يعمل حالياً على خلق عالم رقمي يخرج من خلف شاشة الكومبيوتر إلى العالم الملموس فتظهر التقنية الرقمية على جدران الغرفة والمكتب والأصابع والسيارة وغيرها. وأكد كلاينروك أن التكنولوجيا الحديثة لا تهدف إلى احتلال مكان الإنسان بل إلى تسهيل عمله، كي يتفرغ البشر للابتكار. كما أعرب عن خيبة أمله من الذين يعتمدون على الآلات الحاسبة بشكل كبير، بحيث باتوا غير قادرين على إجراء حساب بسيط لمشترياتهم في المتجر. وأشار كلاينروك إلى قلقه من استخدام الإنترنت لأغراض سيئة مثل انتحال الصفة والتزوير ونشر الفيروسات وغيرها. وقال انه لم يتوقع ان تستخدم الإنترنت لهذه الأغراض، إذ بُني الاختراع على مبدأ الثقة. ورأى أن الخصوصية الفردية لم تعد موجودة في هذه الأيام وأن الناس تخلوا عنها بإرادتهم، فحتى جهاز خليوي يمكّن الآخرين من تتبّع حامله. كما أعلن انه لا يلعب ألعاب الفيديو ولا يستخدم موقعي «فايسبوك» و «تويتر»، لأن لديه أموراً أهم يقوم بها في وقت فراغه. وفي اتجاه مغاير لحديث كلاينروك عن خروح العالم الافتراضي الى الواقعي، اختارت الصين ان تفعل العكس. ودفعت بلاد «العم ماو» المسافة بين هذين العالمين الى أقصاها، برفضها أن يسقط جدار برلين في العالم الافتراضي، على رغم مرور عشرين سنة على سقوطه واقعياً. وفي خطوة مألوفة لحكومة بيجينغ، منعت الصين الدخول إلى الموقع الإلكتروني «برلين تويتر وول. كوم» berlintwitterwall.com الذي أنشئ لمناسبة مرور عشرين عاماً على سقوط جدار برلين. وذكر بيان صادر عن جمعية ثقافية اسمها «كولتوربروكتيه برلين» أن الموقع أنشئ ليسمح لأصحاب المُدوّنات الصغيرة في «تويتر» بتبادل وجهات النظر عن سقوط جدار برلين، وضرورة سقوط جدران أخرى مُشابهة. وأفاد البيان ان بعض مستخدمي الموقع الاجتماعي «تويتر» من الصينيين يستخدمون الموقع من أجل الاحتجاج على الرقابة الممارسة من قبل السلطة على الإنترنت. وظهر على الموقع الافتراضي لجدار برلين 1500 رسالة باللغة الصينية. [email protected]