أعاد المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي قضية مستقبل الحكم في مصر إلى واجهة الأحداث مجدداً عبر بيان أصدره الخميس الماضي أعلن فيه قبوله دعوة قوى وشخصيات سياسية له للترشح للانتخابات الرئاسية المقررة العام 2011. لكن البرادعي ربط الموافقة على الترشح بالاستجابة لخمسة شروط طرحها في بيانه وأكد أنه لن يخوض الانتخابات قبل تحقيقها. وعلى ذلك يمكنني من الآن التأكيد أن الرجل لن يكون بين المرشحين للمنافسة على المقعد الرئاسي، ليس فقط لأن الشروط التي طرحها صعبة التنفيذ أو أن الحزب الوطني الحاكم لن يستجيب لها، ولكن أيضاً لأن قطاعاً من الذين دعوا البرادعي إلى ترشيح نفسه كانوا أسسوا دعوتهم على ثقتهم في قدرته على تحقيق ما اشترط البرادعي توافره قبل أن يخوض الانتخابات. وعلى ذلك فإن الرجل وضع العربة قبل الحصان فعرقل عملية ترشيحه قبل أن تتم. وبغض النظر عن الحملة التي استهدفته بعد إعلان بيانه وهي كانت متوقعة، فإن البرادعي طالب بما تطالب به كل قوى المعارضة وتناضل من أجله منذ سنوات، وهذه القوى نفسها هي التي دعته إلى الترشح وليس لديها القدرة على تنفيذ ما تريده أو يريده هو. اشترط البرادعي إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة تتولى تنظيم الانتخابات والإشراف القضائي الكامل عليها وعلى عملية الاقتراع ووجود مراقبين دوليين من الأممالمتحدة لرصد مراحل الانتخابات وضمان سيرها بصورة سليمة، وأن تكون عملية الترشح مكفولة لكل مواطن مصري ما يعني إلغاء كل القيود التي تحول دون تمكين جميع المصريين من خوض المنافسة، وأخيراً اشترط مراجعة أسماء المقيدين في لوائح الناخبين. ومع الإقرار بأن شروط البرادعي هي حقوق ظلت قوى المعارضة السياسية، بل وبعض الشخصيات داخل الحزب الوطني الحاكم نفسه، تنادي بها إلا أن واقع الأمور يشير إلى أن تحقيقها في الفترة المتبقية وقبل حلول موعد الاستحقاق الرئاسي أمر مستحيل، فمعظمها يتعلق بمواد الدستور وبعضها يحتاج إلى تعديلات في القوانين الخاصة بمباشرة الحقوق السياسية، وهي عملية تحتاج إضافة إلى إرادة سياسية إجراءات طويلة ومعقدة. وعلى ذلك تبقى أسئلة: هل تصور البرادعي أن نظام الحكم سيستجيب فوراً لشروطه وسيبدأ في اتخاذ الإجراءات التي تكفل تنفيذها ليتمكن البرادعي من الترشح؟ هل أراد الرجل إحراج النظام وإظهاره كأنه رفض ترشيحه؟ إذا لم يستجب أحد لشروط البرادعي (وهذا هو المؤكد) فهل سيناضل الرجل في المستقبل من أجل تحقيق هذه الشروط على أرض الواقع ليستفيد منها الراغبون في الترشح في المستقبل أم أنه سينزوي وسيتوارى حزناً على عدم الاستجابة لشروطه؟! لم يحدد البرادعي مستقبله السياسي في حال رفض نظام الحكم الاستجابة لشروطه، غير أن المفهوم من بيانه أنه لن يرشح نفسه إذا لم تتم الاستجابة لما نادى به. أحدهم قال بعد ما قرأ بيان البرادعي: «إذا تحققت الشروط قبل الانتخابات وفاز البرادعي وصار رئيساً لمصر فماذا سيفعل هو وماذا سيقدم للناس؟!» ورأى أنه كان من الأفضل للبرادعي أن يعتذر من الذين طالبوه بترشيح نفسه على أساس أنه معترض على قواعد وظروف الانتخابات وأنه يرى أنها لن تأتي برئيس يفوز في انتخابات حرة نزيهة تتساوى فيها ظروف التنافس بين كل المرشحين. عموماً فإن البرادعي ألقى بيانه كحجر في بحيرة تتلاطم فيها الأمواج منذ فترة فزادها تلاطماً، والمؤكد أن الجدل سيستمر في شأن مستقبل الحكم في مصر حتى يحل موعد الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات، وعلى الأرجح فإن الحزب الوطني الحاكم سيعمد إلى إجراء بعض التعديلات الدستورية والقانونية لتتاح الفرصة لشخصيات عامة للترشح. لكن المؤكد أن تلك التعديلات لن تصل إلى حد الاستجابة لشروط البرادعي أو غيره. وإنما ستقتصر على تخفيف القيود على عملية الترشح بالنسبة الى رموز الأحزاب السياسية أو المستقلين وستبقى الصورة غير مكتملة حتى موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في خريف العام المقبل والتي ستُظهر نتائجها موازين القوى على المسرح السياسي المصري وكذلك نيات الحزب الحاكم في قبول مشاركة الآخرين له في التنافس على المقعد الرئاسي أو الاكتفاء بمحاولة تغيير الشكل من دون المضمون.