منذ ارتبط اسم أوباما بأسامة، من خلال لعبة الأحرف التي مارسها اليمين الأميركي في حملته التحريضية في الانتخابات الرئاسية، بات مصير الرجلين مترابطاً أيضاً. رئاسة باراك أوباما كان يمكن لها أن تكون مختلفة لولا أنها جاءت في أعقاب أكبر حملة أميركية على أسامة بن لادن. حملة فشلت الى الآن في تحقيق غرضها الرئيسي الذي أعلنه قائدها الأول جورج بوش مطلقاً شعاره الشهير «مطلوب حياً أو ميتاً». وهكذا صار مقياس نجاح أوباما، الذي انتقد تحويل الحرب على «القاعدة» من أفغانستان الى العراق، ومن ملاحقة أسامة بن لادن الى ملاحقة صدام حسين، هو في إثبات أنه أقدر من سلفه على تحقيق هذا الإنجاز. قيادة بن لادن ل «القاعدة»، إذا كان لا يزال يمارس عملياً هذه القيادة، كان يمكن أن تكون مختلفة أيضاً لولا أن أوباما هو رئيس أميركا الحالي. من المشكوك فيه أن تكون ملاحقة زعيم «القاعدة» بالحدة التي نشهدها الآن، لو أن الرئيس الجمهوري جون ماكين يقيم في البيت الأبيض. والدليل أن كل العمليات التي قامت بها «القاعدة» في أوروبا بعد 11 سبتمبر، وعلى الأخص التفجيرات الإرهابية في لندن ومدريد، فضلاً عن خطة تفجير الطائرات عبر الأطلسي، التي كان بن لادن وأيمن الظواهري مهندسيها الرئيسيين، هذه العمليات لم تحرك نخوة أجهزة الأمن والاستخبارات الغربية لملاحقة الرجلين كما هو حاصل الآن، بسبب الوضع المتدهور في أفغانستان، والقنابل شبه اليومية التي تحصد الأرواح في مساجد باكستان وثكناتها العسكرية. وهكذا عاد السؤال الى ما كان عليه في أعقاب الحرب التي شنتها الطائرات الأميركية على جبال تورا بورا في شرق أفغانستان، قبل ثماني سنوات بالضبط، في كانون الأول (ديسمبر) 2001: أين أسامة بن لادن؟ أين يمكن أن يكون قد اختفى هذا الرجل الطويل، صاحب اللحية الكثيفة، الذي لا تخطئه أية عين تراه، والذي يصعب أن يكون مخلوق على وجه الكرة الأرضية تجاوز عمره الخمس سنوات لم ير صورة له؟ كيف يستطيع أن يحمي نفسه وأين، مع أن هناك جائزة بخمسين مليون دولار مقابل الحصول عليه، جائزة تفوق ما يمكن أن يربحه أي شخص محظوظ في أي سحب يانصيب في العالم؟ الجواب: بن لادن يتنقل بين باكستانوأفغانستان. أي: حيث كان قبل ثماني سنوات! آخر الأخبار عن «ظهوره» ما ذكره أحد المعتقلين في السجون الباكستانية لمراسلة «البي بي سي» في إسلام آباد أورلا غيرين من أن شخصاً يعرفه هذا السجين التقى بن لادن في إقليم غازني الأفغاني خلال الشهرين الأول والثاني من هذا العام. أهمية هذا «الكشف» انه يأتي في الوقت الذي تكثف الحكومات الغربية، والأميركية والبريطانية تحديداً، ضغوطها على حكومة باكستان لاعتقال زعيم «القاعدة» الموجود لديها، بحسب معلومات هاتين الحكومتين. هذا ما قالته هيلاري كلينتون صراحة خلال زيارتها الأخيرة لإسلام آباد وما عاد وكرره رئيس وزراء بريطانيا غوردون براون قبل أيام أمام ضيفه الباكستاني يوسف رضا غيلاني، الذي انتقلت إليه أخيراً مسؤولية الإشراف على الزر النووي الباكستاني. لذلك وجد خبراء أمنيون في شؤون «القاعدة»، ومنهم مراسل صحيفتي «الغارديان» و «الاوبزرفر» البريطانيتين جاسون بيرك، مؤلف كتاب «القاعدة، القصة الحقيقية للإسلام الراديكالي»، والمراسل الأمني لل «بي بي سي» فرانك غاردنر، إن قصة بن لادن وغازني هي من القصص التي للاستخبارات الباكستانية مصلحة في ترويجها لإبعاد الأنظار عن الضغوط عليها لملاحقة بن لادن. وتفسير هؤلاء لوجود بن لادن في باكستان بسيط: أن العمليات التي تنفذها الطائرات الغربية في سماء الأقاليم الواقعة جنوب شرقي أفغانستان تجعل من الصعب عليه العثور على موقع آمن في هذه المناطق، بينما يتوافر هذا المأمن بسهولة في منطقة وزيرستان الباكستانية، حيث نفوذ قبيلة آل محسود البشتونية الشديدة الولاء لقيادات تنظيم «القاعدة» ولأفكارهم. أياً كان عنوان بن لادن، سوف يكون صعباً على باراك أوباما أن يعلن أمام الأميركيين نجاحه في الحرب على الإرهاب (ولو غيّر اسمها) إذا لم ينجح في اعتقال زعيم «القاعدة» أو قتله. لقد أصبح هذا رمزاً للانتصار الأميركي. أما مدى حظوظ هذا الاعتقال، إذا حصل، في القضاء على الإرهاب وعلى أفكار «القاعدة»، فهذا سوف يحتاج الى حرب أخرى!