القرار الملكي للتحقيق في أسباب كارثة جدة ومساءلة المعنيين أحدث ارتياحاً لدى المواطنين، الأمر الملكي كان صريحاً وواضحاً، بحيث لا يمكن الاجتهاد في تفسيره إلا لما صدر من أجله بدقة، وهو صدر استجابة لمسؤولية الأمانة الشرعية، ولمعالجة أسباب ونتائج كارثة تاريخية مؤلمة أصابت جدة. الأمانة انتقلت الآن إلى اللجنة المشكّلة للتحقيق، وهي على مستوى عال، لديها صلاحيات غير محدودة بأمر من الملك شخصياً، أعمال هذه اللجنة ونتائجها ستكون تحت المجهر، فهي مطالبة بتحديد الأسباب، ومن كان وراءها، وكما جاء في قرار الملك «وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه - جهات وأشخاصاً - ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم من دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة، والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المناطة به». مهمة هذه اللجنة الأولى من نوعها بصلاحيات غير محدودة، مهمة عظيمة وغير سهلة كما قد يبدو للوهلة الأولى، لأن التراكم التاريخي لأسباب أدت لما حدث مما ستضطر للنظر فيه، وهو أرشيف ضخم، وهي كما يتوقع من روح القرار الملكي وإحساس إنساني مسؤول برز فيه، ستكون لجنة تحقيق تاريخية. نتائج أعمال هذه اللجنة وقرارات وقوانين يتوقع أن تصدر على أساسها ستكون محطة مفصلية ليس لمحافظة جدة فقط بل للوطن أجمع، نحو الشروع في المهمة الأساسية، الإصلاح ومكافحة الفساد والتسيب والتشهير بأصحابه. ومن الوضوح تحديد المسؤوليات، ولعل من المهم نقل هذا النص من القرار الملكي «على اللجنة الرفع لنا بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات في شكل عاجل جداً، وعليها الجد والمثابرة في عملها بما تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل، وهي من ذمتنا لذمتهم، مستشعرة عظم المسؤولية وجسامة الخطب». كان القرار الملكي مستشعراً جسامة الخطب وعظم المسؤولية، ورد بوضوح على تبريرات بعض المسؤولين في أمانة جدة عن حجم السيول، الرد الملكي كان واضحاً بالنص «وإن من المؤسف له أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها، ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات ولا ينتج منها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة، وهو ما آلمنا أشد الألم». ما حدث درس لكل المدن والمحافظات السعودية وللمسؤولين فيها، لنفض الغبار وإصلاح المعوج، وتجاوز أسلوب التستر على الأخطاء، وعدم محاكمة أصحابها والتشهير بهم علناً. إنه لمن المؤسف أن نكون البلد الوحيد الذي لا يشهّر فيه حتى بتاجر فاسد يبيع غذاء فاسداً، أو موظف كبير أخلّ بالأمانة. إنه لمن المؤسف ألا تنشر في صحفنا أخبار تشهير إلا عن مرتشين بمبالغ ضئيلة. هذا المستوى من عدم تحمل المسؤولية أسهم بشكل فعلي في أن نصل إلى كارثة جدة. ينتظر من هذه اللجنة أن تكون أعمالها حجر الزاوية لتحطيم الحصانة، التي استطاع الفساد والتراخي التمترس خلفها. www.asuwayed.com