بعيداً من أي إشارة لاحتواء الخلاف الذي انفجر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة حزب «العدالة والتنمية» بسبب الملف الكردي، وتدخُّل الرئيس في عمل الحكومة، صعّد الأخير خطابه واختفى منتقدوه عن الأنظار، فيما بدأ التيار السياسي الكردي يتساءل عن مستقبل المفاوضات مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان. واتجهت الأنظار صوب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، ليتخّذ موقفاً من السجال الدائر، لكنه ألغى كلمته الأسبوعية أمام نواب الحزب الحاكم في البرلمان، تجنّباً للتعليق على الخلاف مع أردوغان أو القضية الكردية. لكن الرئيس التركي ظهر في أكثر من مناسبة، مجدداً انتقاداته الحكومة ومتوعداً «الكردستاني»، إذ قال: «أتحدث باسم الشعب ولمصلحة الدولة. من حقي أن أشير إلى أي خطأ وأن أنبّه الحكومة إلى ضرورة تصحيحه». وتطرّق إلى بولنت أرينش، نائب رئيس الحكومة، الذي فجّر الخلاف اثر انتقاده تدخل أردوغان في شؤون الحكومة، معتبراً أنه «يلعب لمصلحة الدولة الموازية»، أي أنه اتهمه بالتحيّز للداعية المعارض فتح الله غولن، وهذا اتهام خطر يُوجَّه للمرة الأولى إلى أرينش، وهو أحد مؤسّسي «العدالة والتنمية» وصديق مخلص لأردوغان سابقاً. وطالب نواب من الحزب الحاكم باستقالة أرينش، بينهم رئيس بلدية أنقرة مليح غوكشيك، وهو قيادي مخضرم في الحزب، ووسائل إعلام محسوبة على الحكومة والرئيس. واتهم أردوغان «الكردستاني» بالسعي إلى «تقسيم تركيا وزرع فتنة بين الأتراك والأكراد، من خلال توجّهاته المتطرفة والملحدة». وتطرّق إلى المفاوضات مع أوجلان قائلاً: «على الحزب إلقاء السلاح أولاً، وهو يعرقل الحلّ من خلال تمسكه به، ولن تكون هناك تسوية مع السلاح. إذا أصرّ على موقفه، لن يكون هناك حلّ والخيار يعود إليه». وواضح أن أردوغان مستاء جداً من «عدم إيفاء أوجلان بتعهده نزع سلاح الحزب قبل الانتخابات» النيابية المرتقبة في حزيران (يونيو) المقبل، وفق اتفاق شفهي أُبرِم خلال مفاوضات مع جهاز الاستخبارات التركية. كما يعتبر أن السير في طريق المفاوضات مع أوجلان لن يمنحه شعبية كان يمنّي النفس بأن يحصل عليها حزب «العدالة والتنمية»، لذلك قرر تغيير مساره السياسي من أجل الضغط على أوجلان والانسجام مع التيار القومي الذي يزداد قوة على الأرض ويهدد أصوات الحزب الحاكم في الانتخابات. وفي هذا الإطار، تساءل رئيس «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي صلاح الدين دميرطاش عن مستقبل الحوار مع أوجلان وتنفيذ ما اتُفِق عليه مع الحكومة، بعد إعلان أردوغان رفضه النقاط العشر الواردة في الاتفاق وتشكيل لجنة لمتابعة تطبيقه. وتابع دميرطاش: «علينا أن نسمع أولاً رأي داود أوغلو في هذا الكلام، لكننا لا نجده أمامنا». في غضون ذلك، أوقفت أجهزة الأمن 82 شخصاً اتُهِموا قبل 5 سنوات بتسريب أسئلة امتحانات لدخول السلك المدني في الدولة، بالتعاون مع جماعة غولن. وذكرت الأجهزة أن هؤلاء استفادوا من الأسئلة المُسرّبة من أجل إدخال أفراد من الجماعة في أجهزة الدولة. وكانت المعارضة كشفت هذا الملف في حينه وقدّمت أدلة على تسريب الأسئلة إلى أكثر من 5 آلاف شخص، لكن الحكومة آنذاك برئاسة أردوغان اعتبرت الاتهامات كيدية ورفضت التحقيق في الأمر. وبعد خلاف أردوغان - غولن، بدأت أجهزة الأمن مجدداً التحقيق في كل القضايا المُهمَلة، فيما أقرّ «حزب الشعب الجمهوري» المعارض بأن الموقوفين هم من جماعة غولن، مستدركاً أن أجهزة الأمن أسقطت من تحقيقاتها آلافاً آخرين متورطين من الموالين للحكومة خارج الجماعة، وُظِّفوا بهذه الطريقة خلال السنوات الخمس الماضية.