الانتخابات البلدية التي ستُجرى في إيطاليا نهاية أيار (مايو) المقبل، لاختيار حكّام عدد من الولايات ومجالسها الإقليمية تصطبغ بأهمية خاصة، على رغم كونها جزئية لا تشمل كل أنحاء البلد، بل عدداً من الولايات، وفي مقدّمها «فينيتو» الشماليةالشرقية، وعاصمتها مدينة البندقية. وتُصبح هذه الجولة مختبراً للتحالفات التي ستشهدها إيطاليا، وقد تُفضي الانتخابات، وفضيحة فساد مالي طاولت وزير البنى التحتية الإيطالي، ماوريتسيو لوبي، الذي استقال الجمعة الماضي، مستبقاً تصويتاً برلمانياً على الثقة به، إلى انهيار الحكومة التي يرأسها ماتيّو رينزي ويستند إلى الدعم البرلماني ومشاركة «حزب يمين الوسط الجديد» بزعامة وزير الداخلية آنجيلينو آلفانو، والذي ينتمي إليه الوزير لوبي. وطالبت حركات من المعارضة بنزع الثقة عنه وإقالته أو إجباره على الاستقالة. وأصرّ لوبي على نظافة كفه في مناقصات عامة شابتها مخالفات وكلّفت البلايين من جيوب دافعي الضرائب. وما يميّز الانتخابات أن زعيم رابطة الشمال الانفصالية الشاب ماتيّو سالفيني حوّلها حصان طروادة اعتلى به سقف موجة العنصرية ضد العرب والمسلمين، معتبراً أفواج المهاجرين غير الشرعيين الذين يفِدون من الساحل الليبي «حمّالة إرهابيين محتملين ومتسلّلين». وبما أن محطات التلفزيون تهافتت على استضافة سالفيني في كل برامجها ومنحته حيزاً واسعاً، استغلّ ذلك لبثّ أفكاره العنصرية، وظن أن ساعة الحسم في معسكر اليمين حلّت، وآن الأوان للرئيس السابق للحكومة سيلفيو بيرلوسكوني لكي يتراجع خطوة إلى وراء، ويمنح سالفيني صولجان قيادة معسكر اليمين. ولا يُستبعد أن يرضخ بيرلوسكوني بعدما باشر سالفيني مغازلة اليمين الفاشي في روما ودعا ناشطي حركة «منزل باوند» اليمينية الفاشية إلى المشاركة معه في تظاهرة في روما، لم تُحقِّق ما أُريد منها، لكنها حسمت اصطفاف رابطة الشمال في معسكر اليمين المتطرّف. وعلى رغم أن مناهضة العرب والمسلمين، والمهاجرين في شكل عام، ليست طارئة في طروحات رابطة الشمال الانفصالية، استعان ماتيّو سالفيني بالإعلام وبشاشات التلفزيون لبث مزاعمه التي تجاوزت كل مألوف. وبلغ الهجوم اليميني على المهاجرين الآتين من الجنوب أقصى مدى، إذ دعت نائب من حزب «أشقاء إيطاليا» اليميني الفاشي إلى «إطلاق النار على الوافدين الجدد للحيلولة دون دخولهم إيطاليا». وقبل أيام استخدم ممثلو تيار اليمين مقتل شاب إيطالي على يد تونسي ذي سوابق ومطرود من إيطاليا، لإشاعة الحقد والكراهية ضد العرب والمسلمين والمهاجرين. الكاتب المناهض للمافيا، مؤلف كتاب «غومورّا» روبيرتو سافيانو وضع إصبعه على الجرح حين حذّر قبل أيام من على صفحات أسبوعية «الإسبريسّو» من أخطاء استغلال اليمين الإيطالي ظاهرةَ الهجرة غير الشرعية، لدفع المجتمع إلى خانة التطرف والفاشية، وقال: «صفّق الجمهور (لما قاله سالفيني)، نعم صفّق الجمهور، ومستعد لتكرار هذه الجملة مئة مرّة، لأنني لم أكن أصدّق ما أسمع، فما تفوّه به سالفيني أمور بليدة، صادرة عن شخص يبدو ثملاً، وبعيداً حتى من قواعد الكراهية التي تبثّها آن ماري لوبن، لكن الجمهور صفّق طويلاً لتلك البلادة».