ثمة خلاف فريد من نوعه في العالم هو الخلاف بين اليونان وبين جمهورية مقدونيا المجاورة التي استقلت عن يوغوسلافيا السابقة حول اسم الأخيرة. فقد كانت هذه الجمهورية «اليوغوسلافية» تحمل اسم «جمهورية مقدونيا الاشتراكية» منذ 1945، حين تأسست تعبيراً عن وجود شعب سلافي متميز عن الصرب والبلغار يسمى «الشعب المكدوني». وعلى اعتبار أن مسألة الاعتراف بوجود شعب جديد كانت من صلاحية قيادة الحزب، ولاعتبارات داخلية، فقد بقيت هذه المسألة داخل يوغوسلافيا الى أن تصدعت وانبثقت منها الجمهوريات الجديدة المستقلة. ومن هذه الجمهوريات كانت «جمهورية مقدونيا» التي أعلنت استقلالها في ايلول (سبتمبر) 1991. ومع أن هذ الجمهورية كانت الوحيدة التي استقلت دون نزاع عسكري مع صربيا الا أنها وجدت نفسها في نزاع غير متوقع مع اليونان المجاورة التي أنكرت عليها حقها في هذا الاسم الذي تعتبره من تراثها القومي. وبسبب الفيتو اليوناني، الذي التزمت به دول الاتحاد الأوروبي، فقد وجدت الجمهورية الجديدة معارضة قوية بسبب الاسم حين تقدمت بطلب عضوية الأممالمتحدة، وانتهت الحالة الى حل موقت يقضي بقبول هذه الجمهورية باسم موقت هو «فيروم» (الأحرف الأولى من جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة) الى أن تتفق مع اليونان على حل مرض للطرفين. ولكن هذا الحل تأخر حوالى عشرين سنة بسبب الخلاف الذي تعمق وأخذ بعداً نفسياً وثقافياً بين الشعبين وليس بين الدولتين. فالقومية اليونانية الحديثة، مثلها مثل القوميات البلقانية الإثنية، تقوم على التاريخ كما تفهمه هي وكما ترسخه في الكتب المدرسية. وبناء على ذلك فقد أصبحت مقدونيا من التراث اليوناني، وأصبحت اليونان تعتبر أن «ادعاء» الجمهورية المجاورة هذا الاسم إنما هو «اعتداء» على التراث القومي اليوناني. وفي المقابل لدينا ثلاثة أجيال في الجمهورية المجاورة تمثل «الشعب المكدوني» (الجيل المؤسس للوعي القومي الجديد عن السلاف بكونهم شعباً متميزاً عن الصرب والبلغار، والجيلان اللذان ولدا على هذا الاسم). ومع أن هذا الإشكال ترك للطرفيين المعنيين حتى يتم الاتفاق بينهما الا أن السنوات العشرين الماضية لم تشهد تقدماً يذكر على رغم محاولات التوسط التي بذلها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويمكن القول إن عدم التوصل الى اتفاق سببه وجود أولويات أخرى في البلقان (حرب البوسنة وحرب كوسوفو الخ) والتغيير السياسي في اليونان الذي حمل الى الحكم تارة «حزب الديموقراطية الجديدة» وتارة أخرى الحزب الاشتراكي «الباسوك». عام 2009 تقدمت «فيروم» أو «جمهورية مقدونيا» بطلب للانضمام الى الاتحاد الأوروبي وحصلت على وضعية «دولة مرشحة». قبل ذلك وافقت قمة حلف «الناتو» في بوخارست (2008) على عضوية ألبانيا وكرواتيا وأجلت قبول «فيروم» الى أن تحل مشكلة الاسم مع اليونان. وقد أثار هذا الرفض قيادة «فيروم» فلجأت في تصعيد جديد الى رفع هذه المسألة الى محكمة العدل الدولية وقدمت في تموز (يوليو) 2007 أدلتها حول شكواها ضد اليونان التي تمنعها من استخدام الاسم الرسمي الذي تعرف به منذ 1945. وفي المقابل فقد أصبح على اليونان أن ترد على هذه الأدلة. ولكن اليونان ردت على ذلك بوسيلة أخرى، وذلك بتصعيد التهديد باستخدام الفيتو ضد قبول «فيروم» في الاتحاد الأوروبي، وهو ما عبرت عنه صراحة وزيرة الخارجية اليونانية دورا باكويانيس في نهاية تموز الماضي. ولكن في نهاية الصيف برزت مؤشرات جديدة تسارعت لتشير الى ضوء واضح في نهاية هذا النفق البلقاني. يمكن القول ان الانتخابات الأخيرة في اليونان التي أعادت الحزب الاشتراكي «الباسوك» الى الحكم كانت بداية الانعطافة الجديدة التي بشّرت بحل قبل نهاية 2009. فمع وصول باباندريو الى الحكم انطلق السيناريو الجديد بدعم أوروبي أميركي قوي لإدراج غرب البلقان في الاتحاد الأوروبي حتى 2014. وفي هذا السياق تعتبر «فيروم» الأقرب الى العضوية بعد كرواتيا (التي يفترض أن تنضم الى الاتحاد في 2011)، وقد حظيت أخيراً بضمها الى نظام «الشنغن» مع صربيا والجبل الأسود، مما يزيد الضغوط عليها للتوصل الى حل وسط مع اليونان حول الاسم. ومن الواضح الآن أن الاتحاد الأوروبي يضغط على قيادة «يروم» للقبول بتنازل ما باليونان. ونظراً الى أن «فيروم» بعد النزاع المسلح (2000 -2001) والإصلاحات الدستورية التي انبثقت عن «اتفاقية اوهريد» أصبحت تقوم الآن على شراكة جديدة بين المكونين الرئيسين في هذه الدولة (السلاف/ 65 في المئة من السكان، والألبان/ 30 في المئة) فقد تصاعد التوتر بين الشريكين في الحكومة الائتلافية في سكوبيه نظراً لأن الألبان يشعرون أن شريكهم «المكدوني» يرهن الدولة بموقفه المتشدد. واعتبر الطرف الألباني (الاتحاد الديموقراطي للاندماج الذي يرأسه علي أحمدي) أنه لا بد للحكومة الائتلافية من أن تصل الى حل لهذا الخلاف مع اليونان قبل 7/12/2009، أي موعد الاجتماع الوزاري للاتحاد الأوروبي الذي يفترض أن يقرر شيئاً في شأن انضمام «فيروم» الى الاتحاد. وفي هذا السياق دعا رئيس الوزراء اليوناني الى قمة ثلاثية لليونان و «فيروم» وألبانيا على الجانب اليوناني من بحيرة برسبا التي تطل عليها الدول الثلاث. ومع أن الدعوة للقمة الثلاثية جاءت لدعم المشروع البيئي المشترك للحفاظ على هذه البحيرة الا أنها وفرت فرصة للقاء ثنائي بين كاراملنيس وغوريفسكي في اللحظة المناسبة. وكان من الملاحظ انه في اليوم السابق للقمة وصل الى سكوبيه فجأة وزير الخارجية السويدي كارل بيلد الذي تترأس بلاده الاتحاد الاوروبي، في رسالة واضحة الى سكوبيه لكي تلين موقفها. ولكن سكوبيه عززت موقفها بعد قرار البرلمان الأوروبي الذي وافق على الاستراتيجية الجديدة لتوسع الاتحاد الأوروبي في غرب البلقان من دون أن يضع شروطاً على «فيروم» بسبب الاسم ولكنه طالب الدولتين بالتوصل الى حل وسط، وطالب الاجتماع الوزاري للاتحاد الاوربي في 7/12/2009 بأن يقر تلك الاستراتيجية. وهكذا فقد ذهب غوريفسكي الى اللقاء مع كاراملنيس في يوم الجمعة 27/11/2009 بموقف أقوى، وصرح بعد اللقاء انه لم يكن يتوقع أن تحل مباشرة «المشاكل المتراكمة من 18 سنة» لأن «اليونان كررت مواقفها التي لا تسمح بالتوصل الى حل وسط»، وطالب اليونان بألا تعرقل اندراج بلاده في الاتحاد الأوروبي. ومع هذا اللقاء الذي لم يفض الى اختراق للخطوط الحمر كما كان متوقعاً تتوجه الأنظار مجدداً الى الاجتماع الوزاري للاتحاد الأوروبي في 7/12/2009 الذي ينتظر منه أن يضغط على سكوبيه للقبول بحل وسط مقبول أكثر من اليونان حول موضوع الاسم الذي سيحل محل «فيروم».