«وسائل الإعلام العربية في حاجة لوقت طويل قبل القفز فوق مطبات على درب ترسيخ الصحافة الاستقصائية، حيث تقف تحديات اجتماعية، ورقابية، ومادية ومهنية حجر عثرة أمام عملية إدخال هذا النوع المتخصص من الصحافة إلى غرف الأخبار في المنطقة». إنها إحدى النتائج التي خلص اليها مؤتمر الصحافة الاستقصائية في عمان والذي نظمته شبكة «أريج» (اعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية). فالتشريعات القائمة والأجواء السائدة في مختلف الدول العربية تعطل توطين صحافة الاستقصاء. يضاف إلى ذلك تلكؤ رؤساء تحرير وسائل الإعلام عن خوض غمار الاستقصاء لأسباب مالية، ومهنية وسياسية. وكانت هذه القضايا والهموم محط نقاش زهاء 200 إعلامي وخبير عربي وأجنبي شاركوا في أعمال المؤتمر الاقليمي الثاني للشبكة شبكة «أريج» هي ثمرة جهود صحافيين عرب، بدعم من مؤسسات عالمية، تهدف الى تدريب إعلاميين في دول المنطقة على أسس الصحافة الاستقصائية ضمن منهجية إبداعية ترتكز إلى مزاوجة معايير الحرفية والدقة والموضوعية مع خصوصية المجتمعات العربية، هذا ما تعرف به الشبكة مديرتها التنقيذية رنا الصباغ، التي تضيف «قبل أربعة أعوام، انطلق مؤسسو الشبكة من مكتب أقليمي في عمان لمساعدة زملائهم على ممارسة هذا النوع من الصحافة عبر نقل الخبرة وتمويل تحقيقات استقصائية تؤثر في المجتمع وترسم لصناع القرار صورة حقيقية لما يجري على أرض الواقع». حتى الآن دعمت «أريج» ما يربو على 70 تحقيقاً استقصائياً في ثماني دول عربية، كان لبعضها تأثير ودفع بعضها الآخر السلطات إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية، بينما حصدت عدة تحقيقات جوائز عالمية. في سورية، سارعت السلطات هناك لتنظيف مكب الغزلانية بعد أن كشف خالد موسى وبراء البوشي عن مخاطر انتشار أمراض مستعصية وجلدية في محيط هذا المكب. وبعد أن كشفت مجدولين علاّن تجاوزات وإساءة استخدام السلطة لدى المكلفين بالتبليغ في المحاكم الشرعية في الأردن، تحرك قاضي القضاة لزيارة المحاكم ليلتزم بتحسين أداء الكوادر وتعديل التشريعات. غير ان ذلك لا ينفي ان ثمة معوقات كثيرة تحول دون وجود صحافة استقصائية في العالم العربي، أبرزها «سلسلة تشريعات إعلامية مقيدة لحرية التعبير ومجرمة للنقد» في معظم الدول العربية، بحسب داود كتاب، رئيس مجلس إدارة «أريج». وتسعى عدة دول عربية، منها البحرين واليمن، إلى الاستفادة من التجربة الأردنية في مجال التشريع في مجال حق الحصول على المعلومات، المقر موجود في المملكة منذ نحو عامين. من المطبات الأخرى عدم اكتراث إدارات التحرير في وسائل الإعلام لأهمية هذا النوع من الصحافة، في ظل ضغوط يومية على المراسلين والمحررين من أجل إنتاج أخبار سريعة متصلة بإصدار المطبوعة أو بث النشرات الإخبارية، على ما يرى صحافيون أنجزوا تحقيقات مع «أريج». الصباغ كشفت للمشاركين في المؤتمر عن ضغوط، قالت إن صحافيين عاملين تحت مظلة «أريج» واجهوها خلال عملهم في التحقيقات الاستقصائية. واضافت «يبدو أن إدارات التحرير في غالبية وسائل الإعلام العربي لم تتوصل بعد الى قناعة بأن هذا النوع من العمل الصحافي يساهم في تحسين صورة وسائلهم الإعلامية ومبيعاتهم وتعزز سمعتهم وصدقيتهم كسلطة رابعة». موسى برهومة، رئيس تحرير صحيفة «الغد»، وافقها الرأي، إلا أنه رأى أفقاً لثقافة الصحافة الاستقصائية في غرف التحرير العربية. لمأسسة صحافة الاستقصاء، تقول الصباغ إن «أريج» ستعمل بالتعاون مع معهد الصحافيين الدولي ومقره واشنطن، على تأسيس وحدات صحافة استقصائية في مؤسسات اعلامية رائدة في الاردن ومصر وفلسطين. على ان تستنسخ التجربة في عام 2011 في دول عربية أخرى. كما طلبت صحف عربية رائدة الحصول على تدريب لكوادرها على يد خبراء الشبكة. خلال مؤتمرها الثاني، أطلقت أريج رسمياً أول دليل تدريبي للصحافة الاستقصائية أعده فريق بقيادة مارك هنتر، أستاذ الصحافة في كلية إنسياد وجامعة باريس 2 تحت عنوان «على درب الحقيقة» يوزع الدليل المدعوم من ال «يونسكو» بثلاث لغات العربية والانكليزية والفرنسية، وهو يزاوج بين أفضل أساليب التقصي والكتابة الغربية وبين واقع الإعلام العربي. «إنني أشعر بالحماسة لما يحدث في هذه المنطقة من العالم»، يقول تشارلز لويس، رئيس تحرير ورشة الصحافة الاستقصائية ومؤسس مركز النزاهة العامة في الولاياتالمتحدة، الذي تحدث عن تجربته للمشاركين في مؤتمر عمان. ويضيف: «أعتقد أن الأمر سيجدي نفعاً، لأننا نرى هنا إشارات لعمل مؤسسي».