تعنى التشكيلية السعودية دلال الجارودي بالحياة والكلمة في أعمالها. وتؤكد، كما في معرضها «أوراق»، قدرتها على بعث الحياة في الورق. تقول في حوار مع «الحياة»، إن الورقة في أعمالها مجاز يتحول من محيطها المحصور بمخيلة بسيطة ليتسع إلى أفق أكثر رحابة وتمدداً. وأوضحت أن في الاختلاف خيراً، مستدركة أن الصراعات الذاتية جعلت منه مساحة من الفوضى. فإلى تفاصيل الحوار: عندما تسقط الورقة تكون قابلة للهتك، تفقد بكارتها الأولى وتعانق حروفنا الأولى أيضاً، لقاء كهذا كيف تحتفي به لوحتك وألوانك؟ - الورقة هنا مجاز تتحول من محيطها المحصور بمخيلة بسيطة لتتسع إلى أفق أكثر رحابة وتمدداً، الورقة حينما تسقط عادة تسقط لسببين، إما أن تكون أمضت حياتها الزمنية الافتراضية، وإما أن أحداً تعمد إسقاطها. الورقة في تجربتي هي إعادة صياغة فهمنا لحقيقة الحياة، حقيقة الكون وتجلياته، فنحن أشبه بالأوراق، نولد، نعيش مرحلة زمنية، نكتسب من فطرة الخلق ذاتنا التي يتشابه فيها كل البشر، حتى تأتي اللحظات التي نسقى من ماء المعرفة والفهم، ومنها نتشكل بغير قدر لنا. من هنا جاءت فكرة مشروع معرض «أوراق» أنها البدايات التي نكتسبها بعبق الأقدار، إنها التعقيدات التي تأتي بعد أن حملنا ورضعنا جرعة من الاختلاف، الاختلاف الذي يفترض أن يكون خيراً، وهو خير فعلاً، ولكن الصراعات الذاتية جعلت من هذا الطّيف الجميل مساحة من الفوضى. على أي أساس تختارين نص القصيدة؟ وكيف تخلقين توأمة للنص بين الحروف والألوان وفكرة اللوحة؟ - انسجام الألوان مع فكرة اللوحة يخلق إحساس القصيدة، واللوحة لها ظلال وظلالها القصيدة. تحضر الوجوه عبر الورقات وكأن كل ورقة روح وعمر، كيف تجعلين هذه الأرواح تبتسم أو تدوم حيواتها وهي المعلقة مع الريح لمصير مجهول؟ - الوجوه هي حقيقة، وإن غابت ملامحها، فلم تغب روحها، التعابير التي يتركها الأثر هي الباقية على السطح، هي ملامح مما تبقى من ذاكرة سؤال طرح من دون أن يجد إجابة، ولا تهمني الإجابات بقدر ما تهمني أن تستمر الأسئلة التي تشعرنا بمتعة البحث دائماً عن لذة المجهول، ونكتشف بعدها الموعد الذي لم نرتب له، وإنما خلقته لنا تلك الأسئلة. لوحة وقصيدة، اشتباك كهذا يحتاج إلى جهد ذهني ومخيال كبير كي يتحقق الهدف من التوأمة بينهما؛ هل أنت بهذا القرب من النص الذي يجعلك تغامرين بولادة سيامية؟ - نعم وتكاد ترى الروح الشفافة التي خُلقت بالعمل السيامي، إذ ترى في اللوحة القصيد وترى في القصيد اللوحة. سبق أن أقام حبيب علي معرضاً اشتبكت فيه الصورة الفوتوغرافية بالقصيدة؛ أنت الآن تدخلين تجربة جديدة، على ماذا تراهنين في نجاحك؟ - تجربة الفنان حبيب المعاتيق هي إحدى التجارب المتجاوزة للمفهوم السائد في المنطقة، وذلك في تزاوج تجربتين في مشروع واحد، إذ امتزجت الكلمة بالضوء والضوء بالكلمة، ما أعطى بعداً آخر قابلاً لطرح كثير من التساؤل والتأمل. وأنا، في مشروعي هذا، أراهن على اللون والكلمة، والفضاء الذي بينهما هو التقاء المشترك، إذ إني خرجت في بعض التجارب على إطار اللوحة، أو الشكل التقليدي لتلامس الحس المباشر للورقة بوصفه دلالة حضور غائب. هذا الحضور يتمثل بعلاقاتنا المباشرة مع المحيط الذي نلامسه ويلمسنا، والغياب هو إعطاء حرية مطلقة للمشاهد كي يستحضر ما غاب عن ذهني وذهنه، إنها عملية استيعاب أنفسنا بشكل مختلف، فكما نملك وجهاً واضحاً تعوّد على مشاهدته الآخرون فهناك أيضاً ملامح لهذا الوجه، نستطيع استحضارها بلغة مختلفة، إنها الحاسة التي لم تكتب لنعرفها. الوجه هل هو ورقتنا أم حياتنا المكتوبة على الورق؟ وكيف يمكن لنا أن نشبهنا؟ هل الوجه دالة كما الورق من خلاله نكتشف تعبنا وجوهرنا الداخلي؟ - وتيرة الحياة المتسارعة بتقنياتها خلقت تواصلاً غير مسبوق بين البشرية على اتساع نطاقها الجغرافي، هذا التسارع جعلنا نفقد كثيراً من لحظات التأمل، حتى في وجوهنا ما عاد بإمكاننا تأملها ولا حتى ملاحظة التعابير التي لا تكذب أبداً. وفي مساحة تجربة مشروع «أوراق» أحاول تفكيك اللحظة الفاصلة بين التأمل بوصفه حالاً إنسانية فطرية، وبين التجاهل بوصفه حالاً مكتسبة نتيجة هذا التسارع للمجهول. معرضك الأول «أوراق» الذي أسدل الستار عنه قبل أسبوعين في مركز الفنون بالقطيف أخذ مكانة واطلع عليه الناس، وجاء بعد سنوات من الجهد والممارسة والورش المتعددة؛ كيف ترين دور الورش المقامة في تدعيم خبرات الفنان في الداخل؟ - أرى أنها مهمة جداً، منها اكتساب خبرات جديدة وتوعوية تكتسي بتجارب وأفكار في الفن، ومنها تتقدم بعض الفنون وتولد. اللون روح، القصيدة روح، والورقة روح هي الأخرى؛ التعرف على هذه الأرواح يحتاج إلى وعي كبير؛ لمن تقرأ دلال الجارودي ليكون معينها على رفقة هذه الأرواح مجتمعة؟ - اقرأ لمن أحلق في عالمهم من جمال اللغة والإحساس، محمود درويش، وإيليا أبوماضي، وأدونيس، وعمرأبو ريشة، وعلي الشيخ، وحبيب المعاتيق، وأحمد الملا، وفاضل جابر، وإزهار البرية، ومنتهى القريش، وشعراء كثر لا أستطيع حصرهم هنا.