يرتدي قميصاً وبنطلون جينز ماركة عالمية. إطار نظارته كذلك أصلي لا يقل ثمنه عن ألف جنيه مصري. أسلوبه في الحديث هادئ وكلماته منتقاة بعناية ونبرته تدل على انتمائه لمكان ما في الثلث الأعلى من الهرم الطبقي. صحيح أن لحيته الكثيفة وقتها كانت تصل إلى صدره، وراية التوحيد (في أقوال أخرى علم القاعدة أو علم داعش) كانت ترفرف من جيبه الخلفي بينما هو منهمك في القيام بمهمته المتلخصة في إلقاء مجموعة من الأطفال من سطح البيت، وصحيح أن المشهد المصور بالصوت والصورة أصاب ملايين المصريين بالصدمة، لكنه لم يزعج فئات شبابية أخرى لم تر في ما فعله الشاب محمود رمضان ما يدعو إلى الصدمة أو الرهبة ناهيك عن الإزعاج. محمود رمضان الشاب الذي نزل مع من نزلوا لمناصرة الرئيس المصري الإخواني الأسبق الدكتور محمد مرسي في 5 تموز (يوليو) 2013 تطوع وعدد من رفاقه للصعود أعلى عمارة سكنية في الإسكندرية للسيطرة على مجموعة من المناهضين للجماعة وبينهم أطفال، فما كان منه إلا أن ألقى بعدد منهم من أعلى. الفيديو الذي انتشر انتشار النار في الهشيم على الشبكة العنكبوتية ومنه إلى شاشات الفضائيات أجج غضب جموع المصريين ودفع عدداً من شباب الإخوان إلى نفي تهمة إلقاء الأطفال من أعلى السطح عن الجماعة، واصفين رمضان بأنه «بلطجي» مدفوع من «الحزب الوطني الديموقراطي المنحل لتشويه صورة الجماعة وأنصارها». تلقف شباب الجماعة وقتها التدوينة وكذلك التغريدة وأعادوا تشاركها وتغريدها آلاف المرات. فقد جاء التبرير مريحاً لهم، إذ ليس من المعقول أن تكون الجماعة التي ينتمون إليها منذ نعومة أظافرهم ويعتبرونها ملجأهم وملاذهم، ومرجعيتهم ومصداقيتهم، وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم تقبل بأن يكون ثمة قاتل بين صفوفها. ولأن السمع والطاعة هما عمود الجماعة الرئيسي، فقد وجدت الجماعة في تنفيذ حكم الإعدام على رمضان قبل أيام ما يخدم قضيتها ويقوي علاقتها بقواعدها من الشباب الذين هم الضامن الأكبر لبقائها والمفعل الأوحد لأنشطتها في الشارع. وتحول رمضان فجأة من «بلطجي الحزب الوطني» الذي يريد تشويه صورة الجماعة وسمعة شبابها إلى «الشهيد محمود رمضان تارة» وهاشتاغ كلنا محمود رمضان تارة ووسيلة لمهاجمة الدولة ومؤيديها تارة وأداة لتخويف القواعد من الشباب، إذ أن تصوير تنفيذ الحكم باعتباره تكريساً للظلم وإعداماً للحق وقتلاً للبطل المغوار يعني ضرورة تسخين الأرض وتأجيج ثورة الجماعة كسباً للوقت وتحسباً من مصير مشابه يلقى بقية الشباب في حال استمر النظام الحالي. أيمن مفيد (24 سنة) طالب في جامعة الإسكندرية يقول إنه لم يصدق ما رآه بعينه، حين قام طلاب الإخوان بأداء صلاة الجنازة على من أسموه «الشهيد» محمود رمضان. «لولا أنني رأيتهم يصلون ويحملون لافتات تصفه ب «الشهيد» لاعتقدت أن الأمر برمته نكتة. فقد رآه العالم أجمع يلقي الأطفال بنفسه من أعلى العمارة. واعترف بنفسه كذلك بفعلته، بل وطالب بإعدامه. العجيب في الأمر هو كيف يصدق هؤلاء الطلاب ما يقال لهم؟!» أيمن الذي دخل في مناقشة فاشلة مع أحد أصدقائه ممن قيل لهم أن رمضان شهيد وأنه بطل مغوار فصدق من دون نقاش أو مراجعة يقول إن ما يقلقه حالياً ليس التفجيرات، أو الحرب الدائرة في سيناء، أو حتى الوضع السياسي والاقتصادي والأمني الذي تمر به مصر، بل مستقبل البلد مع هكذا شباب وشابات لا يرون صورة واحدة وحقيقة ثابتة، بل يعانون الرؤية المزدوجة والحقيقية المنشطرة إلى حقيقتين. والحقيقة التي تعيشها مصر هذه الأيام من قنابل بدائية الصنع يتم وضعها في أماكن عدة لتنفجر محدثة بعض القتلى والمصابين وكثير من الذعر بين المواطنين تحولت هي أيضاً إلى حقيقتين. فبينما نرمين فهمي (22 سنة) ومجموعة من زملاء الجامعة يتحدثون في مقهى عن «تفجيرات الإخوان» و»محاولات الجماعة العودة إلى السلطة ولو على جثامين شبابها» و»تحول الجماعة الدينية إلى جماعة قاتلة تستغل شبابها وشاباتها علهم يحققون لها شرهها للسلطة»، تبقى هناك من «حرائر» الأزهر وزميلاتهن في جامعات مصرية أخرى من يشاركن في مسيرات جامعية منددة بالنظام في مصر، ومطالبة بإسقاط الحكم، ومؤكدة على ضرورة محاكمة الرئيس وأعوانه وكل من ضلع في إنهاء حكم الإخوان الذي يرونه العنوان الوحيد للديموقراطية حيناً والطريق الأفضل لتطبيق الشريعة وإشهار الدولة الإسلامية حيناً. وحين يتابع المهتمون تدوينات وتغريدات الشباب على الشبكة العنكبوتية حول المجريات السياسية والأمنية في مصر يظن البعض أنه مصاب بازدواج في الرؤية أو انتقائية في الشبكة أو شيزوفرينيا في الفهم. فالتفجيرات التي باتت تنطلق يومياً في مصر هي «أفعال الإخوان» و»دليل فشل الجماعة» و»مسمار جديد في نعش الإسلاميين» أو هي «أفعال الشرطة» و»دليل فشل السيسي» و»مسمار جديد في نعش الانقلاب». والمؤتمر الاقتصادي هو «طوق نجاة مصر» و»وسيلة انتقال الوطن من سنوات الأزمة إلى مستقبل أفضل» و»تمكين لمصر من الموقع المتقدم الذي تستحقه» لكنه يتحول لدى آخرين إلى «بيع لموارد مصر» و»وسيلة انتقال الوطن من سنوات الانقلاب إلى مستقبل العبودية» و»تمكين إسرائيل والاستعمار الاقتصادي من ترسيخ أقدامهم في البلاد. حتى المشكلات الحياتية اليومية التي يعيشها المصري من أزمة مرور إلى شح أنابيب غاز إلى غلاء أسعار فهي «فشل هذا الوزير أو ذاك في حل ملف ما» أو «مرحلة موقتة إلى زوال بعد استقرار الأوضاع» و»نتيجة طبيعية لغياب الكفاءات» لكنها تنقلب إلى «فشل الانقلاب وتعمده إفشال البلاد» أو «مرحلة موقتة إلى زوال بعد عودة الإخوان» و»نتيجة طبيعية لغياب كفاءات الإخوان». الحقيقة التي تتحول حقيقتين والصورة التي تنقسم قسمين لدى طلاب يجلسون في قاعة درس واحدة، ويتجاوران في عمارة سكنية واحدة، ويتشاركون في مستقبل وطن واحد هي عين المشكلة وقلبها وعقلها. هاشتاغ شباب الإخوان #كلنا _محمود_رمضان رد عليه شباب من غير الإخوان بهاشتاغ #كلنا_عشماوي. الوضع من سيء إلى أسوأ.