يقترح الأب إغلاق المدن الجامعية إلى حين التطهير، لا سيما تلك التابعة لجامعة الأزهر، على ألا يسمح بالإقامة فيها إلا للطالب الذي يثبت إما عدم انتمائه أباً عن جد إلى الجماعة «الإرهابية» أو الذي يعلن قولاً وفعلاً تبرؤه منها تماماً على أن يبقى تحت المراقبة الصارمة. أما الأم فترى أن الإغلاق وحده لا يكفي، بل ينبغي رفت كل من يثبت أو تثبت عليه تهمة الانتماء أو التعاطف أو التفكير في التعاطف مع تلك الجماعة «الخائنة التي تبيع البلاد بأبخس الأسعار». لكن الابنة، وهي أكثر تقبلاً للآخر وأعمق تفهماً للتنوع والاختلاف، فترفض الإقصاء وتميل إلى الإدماج، لكن بعد خضوع الطلاب والطالبات لعام تأهيلي في معسكرات عمل توعوية مركزة بغية إعادة دمجهم في المجتمع كمواطنين أسوياء، وليس أولئك مخطوفي العقل مسلوبي الفكر. لكن لا سعة الأفق تلك أو رحابة الفكر هذه عرفتا طريقهما إلى شقيقها الناري ذي الاتجاه الاجتثاثي والميل البتري الرافع راية «أفرم ياسيسي»: «من يبيع وطنه أو يخون شعبه أو يعلي شأن جماعته على بلده لا مكان له بيننا. فليتاجروا بدماء أبنائهم كما يشاؤون، وليصدروا بناتهم في الصفوف الأولى ليُسحلن أو يُضربن غير مأسوف على أولئك وهؤلاء». وبينما أولئك يقذفون الأمن والأهالي القابعين خارج أبواب المدينة الجامعية لجامعة الأزهر بالمعدات الإخوانية السلمية من مسامير حديد وزجاجات حارقة في حين بقية الإخوة من «عماد الثورة الإخوانية» منشغلون بإشعال النيران في صناديق القمامة وإطارات السيارات وكل ما هو قابل للاشتعال في داخل حرم المدينة التي تؤويهم، كانت «الحرائر» يتمسكن بالفضيلة ويتحلين بالعقيدة ويعتدين على زميلاتهن بالمنع والشتم ممن قدمن لأداء امتحانات منتصف العام وبالضرب والتعرية على عضوات هيئة التدريس ممن أتين للعمل رغم أنف شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي وشريعة «الإخوان». شريعة «الإخوان» ما زالت حاضرة في قلوب وعقول عائلات «الإخوان» ويصدق في دعويتها أسر الجماعة التي نشأت في كنفها وتربت في مدارسها وتيتمت في دور رعايتها وتلقت المساعدات من صناديق نذور مساجدها وعالجت أمراضها وداوت جروحها في مستوصفات جمعياتها الخيرية وأمضت أياماً صيفية في مصايف الجماعة الملتزمة والتحق شبابها بالجامعات في رعاية كوادر الإخوة وتحت رعاية الأسر الطلابية «الإخوانية» وتخرجت وحصلت على فرص عمل بمساعدة من الإخوة ودعم من الكوادر، لكنها شريعة باتت تتأرجح بين شعور عارم بالقهر منذ ضياع الحكم ألزم كثيرين بيوتهم وأجبر الغالبية على حلق اللحى ودفع كثيرات إلى تحويل صورة البروفايل على «فايسبوك» من أصابع أردوغانية صفراء إلى ورود مصرية حمراء، وحماسة متفجرة وجهاد متولد منذ عزل «أمير المؤمنين» وفض «اعتصام العزة» ولفظ الجماعة الدعوية «بتاعة ربنا» شعبياً ثم رسمياً. هذا اللفظ الذي صدرت أوامر لقواعد الجماعة بفهمه في سياق «أعداء الدين» و «مناهضي الإسلام» و «محاربي شرع الله»، ووجهوا شباب القواعد لإثارة ما يمكن إثارته من فوضى «في سبيل الله» ونشر الخراب «حماية للإسلام» وتعميم الدمار «رفعة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)»، وأمروا النساء والفتيات بتصدر صفوف «المجاهدين» واستفزاز الشرطة البلطجية وشتم الجيش الكافر وسب الشعب العبيد، هو ما يجعل آباء وأمهات «عماد الثورة الإخوانية» و «حرائر» الجماعة متأرجحين بين مباركة جهاد الأبناء وكفاح البنات رغم القلق، واحتسابهم «شهداء» في سبيل الإسلام واعتبارهن «شهيدات» في سبيل شرع الله، وذلك بدرجات متفاوتة تتحكم فيها درجات افتقاد المعونات الشهرية والعلاجات الدورية والسلع الغذائية الممنوحة من جمعيات «الإخوان الخيرية»، ما يجعل فك وتري خير «الإخوان» والولاء للجماعة المتشابكين المعقدين صعباً مريراً، لا سيما في ظل تذكرة الجماعة الدورية بهذا الارتباط الذي يعني أن انقطاع أحدهما سيؤدي إلى توقف الآخر. الرسالة الأخيرة الموجهة من الأمين العام للجماعة محمود حسين تدق على وتر العوز ملقية بتهمة قطعه في ملعب «الانقلاب والانقلابيين»، إذ يعرب عن صدمته في «الانقلابيين» فقد «أمَّل البعض في أن يكون لدى السلطة الانقلابية أو من سار في ركبها بقية من عقل وإدراك... لكن الحمق بلغ مداه وأعيا الجميع مداواته، بعدما تخلت عن إنسانيتها، فإذا بهم يجمدون أموال الجمعيات الخيرية، وهي جمعيات بر تقوم على أمور الفقراء». وعلى رغم أن كلمة الأمين العام للجماعة ذهبت إلى ما هو أخطر باتهام صريح للحكم الحالي بتدبير الانفجارات التي ضربت وما زالت المنصورةوالقاهرة والشرقية وغيرها، إلا أن قواعد الجماعة التي يحرق أبناؤها كليات ومدن الأزهر الجامعية وتعتدي بناتها على طالبات وأساتذة الكليات الجامعية من العائلات «الإخوانية» غير القيادية يكاد يأكلها القلق وينهشها الخوف من مستقبل مبهم من خطاب تجميد أموال الجمعيات الخيرية، وهو القلق الذي لا يراه الأب المطالب بإغلاق المدن الجامعية إلى حين التطهير، ولا تشعر به الأم المطالبة برفت «عماد الثورة وحرائرها»، ولا تعيشه الابنة المقترحة إلحاق الإخوة والأخوات بمعسكرات إعادة تأهيل وعلاج من إدمان فكر الجماعة، وبالطبع لم يسمع عنه الابن نصير الفرم وحليف الإنهاء. ربما تكون غالبية المصريين نجحت في فك اشتباك الدين بالسياسة، وغالباً أفاقت القطاعات العريضة من الشعب على حقيقة الجماعات الملتحفة بالدين، ومن المرجح أن تكون فئات المصريين المختلفة اطلعت على الوجه الحقيقي للجماعة وحلفائها، إلا أن عرض متلازمة الجماعة والحكم ما زال يتمكن من بعضهم، وعرض ال «ميني دولة» التي نشأت على هامش الدولة تنشئة وتربية وتعليماً وعلاجاً ومساعدة ما زال يعصف بكثيرين واجهتهم عماد الثورة وحرائرها وخلفيتهم دور مترهل لدولة حائرة بين عمقها تارة وتخليها عن أدوارها تارة ومحاولة الخروج من عنق زجاجة عام من حكم «الإخوان» حالياً.