في اليمن، تدفع المرأة ثمناً باهظاً في مقابل خلع صفة الوفاء عليها. وهي في ذلك لا تمتلك خياراً أو تكون راغبة في تسميتها ب «الوفية»، لكن أعرافاً اجتماعية توجبه عليها كتقليد، ومخالفته تعني الخروج عن المألوف وتعريض نفسها للنبذ الاجتماعي. وعادة ما يمجد المجتمع اليمني المرأة التي تقضي عمرها في منزل زوجها المريض مهما كانت علته، أو ذاك الذي اختفى في ظروف سياسية أو اجتماعية وإن استمر اختفاؤه عقوداً، من دون أن يهتم بعمرها المنثور في سنوات انتظارها. ويرفع الناس من مكانة المرأة المتوفى زوجها بخاصة، إذا كانت شابة وامتنعت عن الزواج بعده وأخلصت في تربية أبنائها، إذ يعطي ذلك عنها للمجتمع صورة نموذجية للمرأة الوفية لزوجها حياة وموتاً. وعلى رغم أنها توصف ب «المسكينة» لدى تناول صبرها ونجاحها في تربية أبنائها، في إشارة ضمنية لإنفاقها سنوات حياتها بلا زواج، تظل مضرب مثل، كلما جاء الحديث عن وفاء النساء في التجمعات الذكورية والنسائية بخاصة. وفي المقابل، تصبح المرأة الخارجة عن قوانين المجتمع منبوذة اجتماعياً ويجرى الحديث عنها على أنها «خائنة» ولا يثمر فيها معروف، إذا ما طالبت بالطلاق من زوجها المريض أو المسافر من دون أن تعلم أخباره، على رغم الضمانات التي يوفرها القانون في مثل هذه الحالات. وتنص المادة 52 من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على أن «لزوجة الغائب في مكان مجهول أو خارج الوطن حق فسخ عقد نكاحها بعد انقضاء سنة واحدة لغير المنفق وبعد سنتين للمنفق على أن تنصب المحكمة الأقرب فالأقرب ليتمكن من إعلان الغائب في محل معلوم في ظرف شهر بأي وسيلة». وفي الفقرة الثانية، من المادة القانونية ذاتها يقول المشرع ان «لزوجة المحكوم عليه نهائياً بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات طلب فسخ عقد نكاحها ولا يحكم لها بذلك إلا إذا مضى على حبس الزوج مدة لا تقل عن سنة». غير أن المجتمع لا يتعامل مع المواد القانونية ولا يلقي لها بالاً، ويستند في تقييمه للمرأة إلى قوانينه الخاصة المسنونة على مر العصور، والتي تحمل المرأة متزوجة أو مطلقة أو غير متزوجة «إثم» كل ما يمكن أن تقوم به خارج إطار قوانينه. وتتوارث النساء هذا الوفاء كواجب. ويزداد الأمر تعقيداً إذا ما كانت المرأة «الوفية» إحدى القريبات، فإلى جانب أن الجميع يمتدح ما قامت به تجاه زوجها ويمجده، على اي امرأة التصرّف مثلها في حالات مشابهة، ويكون طلب ذلك منها إما بصورة مباشرة أو بالتلميح لها بعاقبة محاولتها الخروج عمّا رسم مسبقاً. إلى ذلك، توجد صيغ أخرى للوفاء يفرضها المجتمع على النساء في اليمن، بخاصة في المناطق الريفية، إذ أنه في حال وفاة الزوج وكان لديها منه أطفال فإن ذلك يجعلها زوجة واجبة لأخيه، كي تضمن العائلة بقاءها لديها بصورة شرعية ما يمكنها من تربية أحفادها في كنفها، من دون مراعاة للمرأة أو مشاعرها.