ابراهيم شاب سعودي ولد وعاش في مدينة القطيف شرق السعودية. وهو أنهى بعثته الحكومية في إحدى أهم الجامعات الأميركية، وعاد الى وطنه متخصصاً في هندسة البترول، والتحق بوظيفة مرموقة في شركة «ارامكوا». لكنه بدأ يشعر بأن الأحداث التي مرت بالمنطقة أفسدت فطرة الناس. وجد بعض أقاربه ومواطنيه يزن الناس بمذاهبهم تارة، وقبائلهم وأصولهم تارة أخرى، وبات يسمع حوارات لم يكن يعرفها، فاستبد به القلق. تزوج ابراهيم، وخلال اشهر بشّرته زوجته بقدوم البكر. قرر ابراهيم ان تضع زوجته مولودها في مدينة غير القطيف. صحيح أن أنظمة بلاده لا تشير الى المذهب في الهوية، ولا تتعامل على هذا الأساس، لكن طريقة تفكير الناس من حوله لا تطمئن. ذهب ابراهيم الى رئيسه في العمل، وشرح له الأمر، وطلب منه ان يدبّر له انتداباً كي تضع زوجته مولودها في مدينة غير القطيف. سأله المدير: لماذا اخترت القصيم تحديداً، الرياض يمكن أن تحل المشكلة، وربما تكون جدة اكثر تلبية لرغبتك. فرد ابراهيم بسخرية المحبط: اهل القصيم يلقبون ب «عيال علي»، وإذا سألني والدي، وبعض أقاربي، لماذا تضع زوجتي هناك، سأجد سبباً يرضيهم. سافر ابراهيم الى القصيم انتظاراً لولادة طفله بعد شهر على وصوله أيقظته زوجته مع ساعات الصباح الأولى، لتطلب منه نقلها الى مستشفى. استيقظ ابراهيم بفرح عارم، وبعدما اطمأن على زوجته، ذهب الى ادارة تسجيل المواليد، وبدأ بتعبئة أوراق شهادة الميلاد، وحين وصل الى خانة مكان الولادة انتابه شعور متناقض وعجيب، فكتب بتردد: مكان الولادة مدينة «الرس». اخذ النموذج وقدمه للمسؤول، تأمل الموظف في الأوراق، وقال له: عليك ان تنتظر حتى تتم الولادة. ذهب الى غرفة الولادة وجلس ينتظر. لم يكن ينتظر المولود بمقدار انتظاره الشهادة. خرج الطبيب مبتسماً، وقال له: مبروك، زوجتك بخير والمولود بخير، وانصرف. دخل ابراهيم الى غرفة الولادة، وطبع قبلة عاجلة على رأس زوجته وبارك لها، فقالت له : ما رأيك ان نسميها فاطمة، تيمناً باسم أمي رحمها الله؟ فرد تلقائياً: بنت؟ كان الرد صادماً لزوجته. فنهضت أم فاطمة رغم تعبها، وقالت له : المشكلة يا ابراهيم ليست في المذهبية، والقبلية، ولا في القطيفوالرس، القصة في التخلف، ولن نتخلص من هذا التخلف بالهروب من أصولنا وهوياتنا، وتزييف أوراقنا. ودَخَلت في نوبة بكاء تفطر القلب.