استنكر عدد من الكتاب ما حدث في الندوة التي شارك فيها معجب الزهراني والدكتور بكر باقادر من سجال لم ينته سوى بتدخل رجال الأمن، ضمن فعاليات معرض الكتاب، مساء الأحد الماضي، معتبرين أن معرض الكتاب فضاء للتعايش. وأكدوا في حديث ل«الحياة» أن من لا يستطيع توطين نفسه على رؤية الاختلاف والتعايش معه، عليه أن ينأى بنفسه. وقال الكاتب محمد المحمود إن معرض الكتاب فضاء تسامحي كما يُفترض، «إذ هو فضاء الحرية المفترضة، لا يمكن أن يكون معرض الكتاب إلا مجالاً حيوياً للتنوع والاختلاف، ولتعايش هذا التنوع والاختلاف. إنه فضاء الأصوات المتنوعة، فضاء الجدليات المتفاعلة بل المتصارعة سلمياً. يُفترض في معرض الكتاب من حيث هو فضاء التنوع أن يُوطن جميع المشتركين في هذا الفضاء أنفسهم على سماع ورؤية المختلف، لو كانت الأفكار ناجزة ومحسومة لم يكن للكتاب - أي كتاب - معنى. فضاء الكُتب هو فضاء الاختلاف، ومن لا يستطيع توطين نفسه على رؤية هذا الاختلاف والتعايش معه، فعليه أن ينأى بنفسه عن فضاء معرض الكتاب». ولفت المحمود في حديث ل«الحياة» إلى أن المتطرفين، أياً كانت هوية تطرفهم، لا يتحملون وجود المختلفين معهم، «لا يطيقون سماع الرأي الآخر، حتى عندما يتظاهرون بسماع الرأي الآخر، فإنما لا يفعلون ذلك إلا بوصفه باطلاً يجب أن يُطرح، ليُدحض بالحق الأوحد الذي يعتقد المتطرفون أنهم يملكونه لوحدهم، المتطرفون هم أعداء الثقافة، هم أعداء حركة الفكر، لأن حركة الفكر بطبيعتها حركة تحررية، المتطرفون يدركون أن جدلية التنوع الفكري تسحب من رصيدهم المعنوي في الواقع، وبالتالي يدركون أن طرح الآراء بحرية سينتهي إلى زعزعة هيمنتهم على العقول الخاوية، لهذا لن يسمحوا بالتنوع الفكري، وسيحاربونه بالترصد، وعندما تضعف حجتهم الكلامية سيثيرون الشغب بالأصوات والهياج والتجمهر، وإن تراخى الأمن معهم قليلاً سيمتد اعتراضهم ليكون اعتداء بالأيدي، وربما تطور إلى عدوان بالسلاح». واعتبر أن ما حدث في ندوة معرض الكتاب، «كان متوقعاً من المتطرفين الذي يسعون في كل سنة لإفساد هذه التظاهرة المعرفية الاستثنائية، هذا الحدث الشغبي غير المسؤول، تكرر في أكثر من مناسبة ثقافية، وسيتكرر في كل مناسبة، ما دام هؤلاء المتطرفون بمنأى عن العقاب الرادع. كل تسامح معهم، على مستوى الفكر أو على مستوى الواقع، سيدفعهم لمزيد من الشغب والتخريب، وربما تطور الأمر إلى ما هو أسوأ». في حين أوضح الكاتب الصحافي فاضل العماني أنه لا يفهم كيف ترك «مثل هؤلاء المتطرفين يعبثون ويمارسون الفوضى والوصاية على كل مهرجاناتنا وملتقياتنا وفعالياتنا، لدرجة أنهم أصبحوا واقعاً مراً يعكس حال البؤس والجهل والتطرف، التي يُعاني منها هذا الفكر الشاذ الذي يتمدد بكل أسف في الكثير من شرائح ومكونات المجتمع، لاسيما فئة الشباب التي يسهل التأثير فيها والتغرير بها». وقال إن ما يحدث في بعض فعاليات وممرات معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته الحالية، «من تدخلات وانتهاكات من بعض المحتسبين، الذين يظنون بأنهم يملكون حق الوصاية والتوجيه والإرشاد، بل والتأديب للمجتمع، قضية خطرة جداً، ولابد لها أن تقف عند هذا الحد، فمن غير المعقول أو المقبول، أن يمارس هؤلاء الخارجون على قانون ونظام وعرف الوطن هذه السلوكيات والتصرفات غير المسؤولة، التي تدل على ضحالة فكرهم وسذاجة منهجهم، مما يشوه صورة الوطن أمام الداخل والخارج، خصوصاً في حدث كبير كمعرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يُعتبر إحدى أهم التظاهرات الثقافية والفكرية والحضارية التي تؤكد حضور المملكة العربية السعودية في واقع المشهد الثقافي العالمي». وأشار إلى أنه لاحظ حال الاستنفار التي يمارسها بعض المتزمتين، «وذلك عبر حرصهم المشبوه على الحضور في كل تفاصيل المعرض، ظناً منهم بوجود ممارسات غير لائقة، وهي أوهام وتخرصات وأكاذيب لا وجود لها، إلا في ذهنيتهم المريضة التي تُلقي التهم والافتراءات جزافاً». أميمة الخميس تقاطع النشاطات ... ونجلاء السليم: المحتسبون حاصروني نفت التشكيلية السعودية نجلاء السليم أن يكون انسحابها من المشاركة في ندوة «الفن والتعايش، التي نظمت ضمن فعاليات معرض الكتاب، سببه خشية المحتسبين. وقالت نجلاء السليم ل«الحياة»: «على رغم أن الموضوع بعيد كل البعد عن الجانب الديني في ورقتي، إلا أنني وجدت نفسي في مكان لا يتسع لوجود المرأة، إذ بدأت ملاحقة المحتسبين لي، إلى أن وصلت مقر الندوة، ثم طلبوا مني ترك المكان وأن اتجه إلى الدور الثاني المخصص لجلوس الحاضرات من النساء. حاولت التوضيح لهم أنني مشاركة في الندوة لكنهم رفضوا وجودي على المنصة وطلبوا مني المشاركة من الدور الثاني». وأوضحت قائلة: «عندها أدركت أن هذا المكان غير مناسب لوجودي كامرأة بل مرفوض وغير محبب أيضاً. كما أن الهدف الذي أتيت من أجله لم ولن يتحقق وهو التعايش. فخرجت متأسفة على حالي وحال المرأة التي ما زالت تبحث لها عن مكان ما في مثل هذه المحافل الثقافية، خصوصاً أنها دولية والأدهى والأمر أن هذا اليوم صادف يوم المرأة العالمي». وكانت السليم ركزت في ورقتها على أهمية التعايش بين الأجيال، وتقصدت التركيز على الساحة الفنية، باعتبارها فنانة تشكيلية. من ناحية ثانية، قاطعت الروائية أميمة الخميس الفعالية التي يفترض أن تشارك فيها مساء أمس، وهي عبارة عن شهادات روائية يقدمها عدد من الروائيين، مثل محمود تراوري وعبدالعزيز الصقعبي. وعزت الخميس مقاطعتها في حديثها ل«الحياة» إلى «عملية الفصل العنصري الذي يمارس ضد المثقفة السعودية، إذ يصر المنظمون على إقصائها عن المنصة الرئيسة. واحتجاجاً على قصور الجهات الأمنية عن حماية النشاط الثقافي الذي يتم تحت مظلة رسمية». وقالت إن الأمر يتدهور «وهناك الكثير من التنازلات تقدم، التي بدورها تنعكس على جودة الفعاليات واستقطابها لتجارب فكرية مهمة على المستوى العربي، وهو الأمر الذي تتم فيه أية ندوة بسيطة في دول الخليج. هل نسينا في يوم من الأيام أن المفكر العظيم محمد عابد الجابري ويوسف زيدان كانا أحد ضيوف معرض الكتاب».