الفعاليات الثقافية أكثر من كونها ظاهرة صحية لمناخ فكري متوازن يفترض أن ينتج خطابًا متزنًا ومتقدمًا على الأفعال والسلوكيات المشاغبة التي تقودنا إلى الخلاف الذي يعكس حيوية الآراء، وليس الاختلاف الذي يؤدي إلى الخصومة كما يشير الدكتور عبدالله الغذامي، لأن الواقع بحسب المجريات في الجنادرية ومعرض الرياض الدولي للكتاب في الأعوام الماضية ينذر بمواجهات سلبية على المديَين القصير والطويل بين التيارات المختلفة ويؤسس لمشاحنات وشغب فكري وثقافي غير محمود. معرض الرياض الدولي للكتاب على الأبواب، وهو حدث راقٍ وضروري لنشر المعرفة واكتشاف الجديد من الفكر الإنساني، محليًا ودوليًا، ومن الطبيعي أن تتعدّد صور الخطاب الثقافي فيه بين الاتجاهات الفكرية سواء كانت دينية تشمل السلفية المحافظة والمعتدلة، أو ليبرالية، وتلك هي الاتجاهات التي لدينا، فليس بيننا اشتراكيون أو شيوعيون أو وجوديون أو ملحدون، ومع ذلك تبدو هناك شحناء وتباغض، أصبحت تتخذ من المعرض مناسبة وفرصة للتعبير عن خطاب يحتمل كثيرًا من الإفراط في إبداء الرأي، وهي حالة خاصة بالليبراليين والسلفيين، كما حدث سابقًا في المعرض وغيره من الفعاليات الثقافية. اعتماد خطاب إقصائي بين طرفي الليبرالية والسلفية المتشدّدة يضر بالمكونات الثقافية ولا يخدم الحراك الفكري، لأن مساحة إبداء الرأي تضيق وبالتالي يضيق كل طرف بطرح الآخر، وذلك ينتج الفهم الإقصائي وهو أخطر متغيّرات العملية الفكرية والثقافية. اعتماد خطاب إقصائي بين طرفي الليبرالية والسلفية المتشددة يضرّ بالمكوّنات الثقافية ولا يخدم الحِراك الفكري، لأن مساحة إبداء الرأي تضيق وبالتالي يضيق كل طرف بطرح الآخر، وذلك ينتج الفهم الإقصائي وهو أخطر متغيّرات العملية الفكرية والثقافية، لأنه كما سبق وذكرت يؤسس لمشاكل تكتسب صفة ذميمة، وبالتالي لا يستفيد المجتمع من حقوقه الفكرية والثقافية التي يكتسبها من تطور الفعل الثقافي الذي ينحدر مؤشره مما يحدث نكسة وردّة فعل تعيدنا إلى دائرة التخلف، وبدلًا من أن يصبح المعرض وسيلة لغاية معرفية راقية يتحوّل إلى قنبلة موقوتة لخلافات وشغب لا ينتهي إلى نتيجة إيجابية وحرمان المجتمع من مكتسب معرفي حقيقي. التطرّف الفكري في معرض الكتاب ينبغي أن يحسم وأن يتوقف، فالإنسان لا يصل إلى قناعاته وخياراته بالقوة الجبرية، وإنما بالتي هي أحسن وبما يستقيم مع رؤيته لما حوله من معطيات، وعندما يقدّم كل طرف نفسه بصورة عدائية لا تحترم الآخر، فالطرفان يخسران؛ لأن الخطاب الارتجالي يحتمل مفارقات تلتبس على الفهم، وتكوّن صورة سلبية، كما أن مثل هذه المعارض ليست منبرًا للشد والجذب وإظهار العصبية الفكرية، وإنما هي نهر معرفي يمرّ بهدوء لينهل منه كل زائر القدر الذي يحتاجه ويتوافق مع اتجاهاته، ولا حاجة لتسخين أجوائه بتلك المشاحنات التي يراها العالم، ويسمع بها وتكون فكرة سلبية عميقة عن تعاطينا الثقافي.