قالت مصادر اطلعت على محادثات زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري في القاهرة أول من أمس واجتماعه مع الرئيس عبدالفتاح السياسي وشيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب، إن الزيارة تأتي في ظروف مهمة تمر فيها المنطقة، لا سيما مع الحركة المصرية الأخيرة في المنطقة حيث تتزايد اهتمامات القاهرة الخارجية، وفي المنطقة على رغم همومها الداخلية. وأشارت المصادر الى أن اهتمامات القيادة المصرية تتعدى اقتراح تشكيل قوى عربية عسكرية مشتركة لمواجهة التطورات على الصعيد الإقليمي، الى «السعي إلى إعادة تكوين كتلة عربية أساسية، لأهداف عدة أولها السقف الذي بات متداولاً وهو مواجهة التحديات المعروفة بالإرهاب الذي ينتشر في الساحات كافة، والذي يشكل عند مصر أولوية في ظل تعرضها لأعمال أمنية من التنظيمات الإرهابية». وأضافت المصادر نفسها: «هناك تحدٍ مستجد باتت القاهرة تنظر إليه بجدية أكثر وهو تزايد التدخل الإيراني في المنطقة. وهذا لم يكن في السابق من ضمن أولويات الحركة المصرية، بل كانت القاهرة تكتفي بمراقبته، بينما أصبحت الآن ترى فيه أخطاراً، لا سيما بعد الذي حصل في اليمن والعراق والتقارير عن «الطريقة التي تخوض فيها إيران الحرب في سورية. وتصاعد الاهتمام المصري بالتمدد الإيراني يدفع نحو تقاطع في وجهة النظر حيال هذه المسألة مع دول مجلس التعاون الخليجي». وإذ أشارت المصادر التي واكبت زيارة الحريري القاهرة، الى تصريحه عن مواجهة التطرف الإيراني و «داعش» و «النصرة»، وإلى قوله: «إننا لسنا ضد إيران لكن لدينا ملاحظات عليها مطالباً بأن تكون العلاقة لمصلحتها ومصلحة لبنان ليس لمصلحتها فقط»، بأنه يأتي تحت سقف الموقف العربي والمصري عموماً والذي يعتبر «أننا لسنا في حالة عداء مع إيران لكن في حالة خلاف كبيرة على ملفات أساسية. فالدول العربية ومصر تتعاطى مع إيران بوصفها دولة كبرى في المنطقة لها دور مهم، لكن ليس على أساس أن تسيطر على 4 عواصم عربية أساسية هي بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت». وأضافت المصادر: «هذا الموضوع كان أساسياً في محادثات الحريري ومع كل من السيسي والشيخ الطيب في الأزهر، باعتبار أن التدخل الإيراني في عدد من الدول العربية أصبح يشكل عبئاً كبيراً على الوضع العربي، ولأن طهران باتت شريكاً في نزاعات وحروب عربية في هذه الدول الأربع في شكل لا يدل إلى أنها تمسك بالأوضاع في هذه الدول، بل تؤجّج الصراعات فيها، متوسّلة منطق اعتبار نفسها مرجعية الشيعة في العالم لتتدخل في شؤون إقليمية وصولاً إلى المملكة العربية السعودية ودول خليجية». وكان نقل عن شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب قوله للحريري إن : «توحد العرب في مواجهة التنظيمات الإرهابية أصبح ضرورة ملحة وأمراً مهماً، حتى يتمكنوا من التصدي لخطر الإرهاب الخبيث، والوقوف أمام أطماع بعض الدول الإقليمية التي تهدف إلى التمدد في البلدان العربية وشق صف وحدتها ولن يكون هذا التوحّد إلا بتجاهل الخلافات العربية». وإذ لفت إلى أن الطيب دعا بدوره الى تشكيل القوة العربية المشتركة، فإن الحريري أكد أن لبنان والعالم العربي «يعوّلان على الأزهر الشريف الذي يمثل الإسلام الصافي والبعيد كل البعد من الغلو والتطرّف، خصوصاً أنه بات سلعة عند بعض الناس لتحقيق مآرب سياسية». وشدد الحريري، على أن «ثقافتنا الدينية هي منهج الأزهر الوسطي، وعلى الشباب المسلم أن يدرس هذا المنهج لما فيه من الوسطية والاعتدال، وعلى أن تعزيز وتدعيم دور الأزهر واجب على جميع العرب والمسلمين لمواجهة الأفكار الظلامية التي تستهدف أوطاننا وشبابنا». الأزهر والمشكلة مع ايران ولفتت المصادر على المحادثات إلى أن الأزهر تحدث عن الدور الإيراني مبدياً قلقه منه، إذ اعتبر أن حركة التشييع التي سبق أن حصلت في مصر بمبادرة إيرانية لم تكن دينية، بل سياسية، وطرح أسئلة عن كيفية مواجهة اختطاف الشيعة العرب باتجاه الحضن الفارسي، وحول سبل حماية الشيعة العرب من مشروع من هذا النوع يواكب التمدّد الإيراني العسكري والسياسي. ونقلت المصادر ل «الحياة» عن شيخ الأزهر قوله إن لا مشكلة مع الشيعة بل المشكلة هي مع إيران حيث يمكن للزائر أن يستمع في الأزهر إلى رواية عن كيفية دخول الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى الأزهر حين زار القاهرة كأنه دخول المنتصرين، حيث رفع في رحابه علامة النصر ما اضطر الشيخ الطيّب إلى أن يدلي أمامه بملاحظة عن هذا السلوك. وقالت المصادر المطلعة على المحادثات إن المناخ المصري سواء على مستوى السلطة السياسية أم المرجعية الدينية يرى أن حركة إيران في المنطقة لها بعد سياسي وليست دينية على رغم إسباغها لباساً دينياً عليها أحياناً. والشعور في القاهرة هو أن طهران تتصرف على أنها تمسك بقوانين اللعبة في المنطقة، وفي هذا شيء من الصحة، لكن هذا يحصل فيما إيران تساهم في تقسيم المنطقة ودولها وتنخرط في حروبها الأهلية. وهي موجوة في كل مكان يشهد حرباً أهلية، بحيث لن تتمكن من إحكام سيطرتها على الدول التي تتدخل فيها والبرهان ما يحصل في اليمن بعد انقلاب الحوثيين. إلا أن المصادر المطلعة على المحادثات تحدثت عن «مناخ في القاهرة يعتبر أن سبب الاندفاعة الإيرانية هو الفراغ الناجم عن ضعف التنسيق العربي وغياب التضامن بين العرب، فضلاً عن انهماك دولهم بمحاربة الإرهاب الدولي، ما يلهيها بمشاكلها الداخلية». وفي ما يخص الوضع اللبناني قالت المصادر إن الجميع في القاهرة يسأل عن الشغور الرئاسي من دون أن تكون لديهم أجوبة حول كيفية إنهائه، والرئيس السيسي يرى أن لبنان يحتاج إلى الخلاص من الفراغ، ولأن انتخاب الرئيس هو عامل مهم من عوامل الاستقرار فيه. وأوضحت أن الرئيس المصري عبّر عن تمنياته في هذا المجال، ولكن من الواضع أن القاهرة تستكشف ما يدور على الصعيد اللبناني، على رغم اهتماماتها الداخلية وحربها على الإرهاب على جبهات عدة حيث تلعب دوراً في الملف الليبي وتتابع عن كثب الملف السوداني باعتبارهما ملفين مؤثرين في الأمن القومي المصري. بديل الاسد ... وأوضحت المصادر نفسها أن القاهرة حين تسأل في ما يخص سورية عن أن سياستها تقوم على الحفاظ على الرئيس السوري بشار الأسد تجيب: «هذا غير صحيح. نحن نطرح سؤالاً عن البديل من بشار الأسد. ولا نقول يجب أن يبقى، الآن البديل هو إما الإرهاب، أو استمرار الحرب. وبالتالي تميل القاهرة إلى تكوين بديل يمسك بالوضع في سورية يتشكل من قوى ليبرالية وقوى الجيش لأن من دونه تستمر الحرب». وتشير المصادر التي واكبت محادثات الحريري في القاهرة إلى أن وزارة الخارجية والجهات المعنية إن في المخابرات أو غيرها، على صلة دائمة بتشكيلات المعارضة السورية في الخارج والداخل من أجل استكشاف ما يمكن القيام به لأجل حل سياسي متوازن، في حركة تتقاطع أحياناً مع الجهود الروسية ومع غيرها. وعن الاقتراح المصري إنشاء قوة عربية مشتركة وإمكان طرحها على القمة العربية المقبلة قالت المصادر إن الجانب المصري يتحرّك تحت سقف اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وعلى قاعدة أن هناك نموذجاً لهذه القوة هو قوات درع الجزيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتبر القيادة المصرية أنها في وحدة حال معها في شأن حفظ الأمن العربي. وذكرت المصادر أن القاهرة أبلغت الوفد اللبناني الذي زارها أنها تشاورت في شأن إنشاء هذه القوة مع المملكة العربية السعودية، في سياق توسيع التجربة الخليجية، ومع دول أخرى مركزية مثل الأردنوالجزائر التي تنسّق القاهرة معها في الشأن الليبي والملفات الأخرى استناداً إلى علاقة جيدة ووثيقة مع الجزائر، فضلاً عن التشاور مع دول خليجية أخرى. وفي رأي هذه المصادر أن زائر القاهرة يشعر أن العلاقة بينها وبين أنقرة والدوحة ما زالت تخضع لقدر من الحساسية. أما في شأن ما يحكى عن إمكان تغيير في العلاقة مع «الإخوان المسلمين» فإن الجانب المصري يميّز بين الإخوان في عدد من الدول، ويعتبر أنه لو لم يحصل ما حصل في مصر من وضع حد لجموحهم فيها لما كان تنظيمهم اعتمد سياسات مختلفة أكثر اعتدالاً في تونسوالأردن والمغرب... وتتوقع القاهرة أن تتجه الأمور إلى اتفاق بين واشنطنوطهران حول ملفها النووي، لكنها تعتقد أن موضوع النووي لم يعد المشكلة الأساسية مع إيران، بل إن انفلاشها الإقليمي هو الذي صار المشكلة.