أكدت دراسة فقهية صدرت أخيراً، أن القول بالمنع من الزواج من «الكتابيات» له قوة ورجحان على التمسك بأصل الإباحة، وتوصلت في نتائجها إلى ضرورة منع المسلمين عموماً من الزواج من الكتابيات، ولا يختص هذا المنع بالولاة وكبار القوم الذين يقتدي بهم من هم دونهم. وأرجعت الدراسة التي نفذها عضو هيئة التدريس بقسم الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا حسن الهنداوي بعنوان: «ضوابط صلاحيات تصرف الإمام في الإلزام بالإباحة.. تطبيقات معاصرة»، ونشرتها وزارة العدل من طريق مجلة «العدل» في عددها الأخير الذي يحمل الرقم ال66، أسباب المنع إلى أن الزواج من «الكتابيات» أصبح ظاهرة اجتماعية كانت لها أضرار بارزة المعالم على المسلمين، سواء بالنسبة لمن تزوج من المسمين أم للمسلمات، وكذلك المجتمعات الغربية وما أفرزته من مفاهيم غريبة عن تعاليم أهل الكتاب في ما يتعلق بالأسرة، والعلاقة بين أفراد الأسرة ونظامها، وسلوكياتها. وعادت الدراسة لتشير في نتائجها إلى أن أصل الإباحة ملائم لتصرفات الشارع، ومناسب تمام المناسبة لمقصد الشريعة من التيسير على العباد، ورفع الحرج عن المكلفين، ووضع الإصر والأغلال التي كانت عليهم، وزادت: «يلاحظ الناظر في عمومات النصوص الشرعية أنه لا يجوز لغير الشارع أن يتصرف في الأحكام، ولا أحد غير الشارع يملك تبديل الأحكام وتغييرها، لأن ذلك يُعد تصرفاً في ما لا يملك الناس التصرف فيه شرعاً، فالحاكم هو الله جل جلاله فله الأمر والنهي، والإيجاب والتحريم، وهو المتصرف في التشريع، حِلاًّ وإباحة، وهو تصرف مطلق يحكم ولا معقب لحكمه». وأوضحت الدراسة في نتائجها، أنه قد يجوز أحياناً لولي الأمر أو ما يقابله في أنظمة الحكم الحديثة، مثل رئيس الدولة ما لا يجوز لغيره، فيتصرف في بعض الأحكام المتصفة بالحل والإباحة، فيحول بين الناس وبين ذلك إمّا بالمنع منها أو الإلزام بها، مشيرةً إلى أن هذا التصرف ليس كما جاء واتفق، ولا يكون تابعاً للهوى يصرفه الوالي كيف شاء، بل لا بد من ضوابط تحكم هذا التصرف حتى يكون ذلك خادماً لمقاصد الشارع، ومحققاً لأهدافه وغاياته، بعيداً عن اتباع الهوى، ومجتنباً للوقوع في غايات مصادمة لإرادة الشارع، ومناقضة لمقاصده. وبينت الدراسة في نتائجها، أن تصرف الإمام في الإباحة يُعد جائزاً شرعاً بضوابط، أهمها: أن يكون في التصرف مصلحة عامة لا خاصة، وأن هذا التصرف ليس حُكماً لازماً ولا دائماً، بل هو موقت بوقت المصلحة التي من أجلها وقع التصرف في الإباحة، وأن هذا التصرف في الإباحة لا يعد نسخاً لحكم الإباحة، فبما يعد المنع من ادخار الطعام إذا أصابت الناس مخمصة عامة من التطبيقات المعاصرة التي تصلح للتصرف فيها بالمنع والإلزام، فيجوز حينها للإمام أن يضع حداً للتصرف في المباحات، وأن يمنع الادخار أو حتى التوسع في المباحات من المأكل والمشرب من باب السياسة الشرعية. ...وتعطي مثالاً بأنظمة «تسعير» السلع والبضائع أعطت الدراسة الفقهية في نتائجها مثالاً يتعلق بالتسعير، ووضحت معنى ذلك أن يضع الإمام للناس أسعاراً معينة يجب الالتزام بها من أصحاب السلع والبضائع، ومن ثم فيجوز للإمام أن يسعر إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأن يتصرف في ما أبيح للتجار أن يتبايعوا به، دفعاً للضر عن المجتمع، إذا كان الضرر عاماً لا خاصاً، ولكن بشرط المحافظة على مبدأ العدل في التسعير فلا يكون فيه إجحاف بالتجار وظلم لهم، ولتحقيق ذلك يستعين ولي الأمر بمن لهو خبرة بالسوق، ومعرفة بالأسعار، وأخذ رأي التجار في التسعير. وشددت الدراسة على أن هناك أمثلة أخرى يمكن بحثها في هذا الصدد، مثل: تعدد الزوجات، والإلزام بالفحص الطبي قبل الزواج، وزواج المسيار، والإلزام ببعض العلوم والحِرَف، وغيرها، مؤكدةً أن ما ذكر يقاس عليه ما لم يُذكر، بتطبيق الضوابط التي ذكرناها للتصرف في الإباحة.