كثير من التجار أكثر ما تمسكوا به أن لا يكون هنالك تحديد للاسعار ، حيث اشار عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه أنه قال: "غلا السعر على عهد رسول الله" فقالوا: يا رسول الله.. أسعر لنا، فقال: "الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" (رواه الخمسة إلا النسائي). وهنا يجب التنبه أن كل ما يقوله صلى الله عليه وسلم تشريعا ، فلو كان سعر سلعة بزمانه اصبح سعرها لا يمكن زيادته او نقصانه ، فمن حكمته وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو الا وحيٌ يوحى " ... ترك الأمر .. ليتوافق مع أوضاع الناس . وهنا يجب أن يفهم التجار أن ذلك ليس مدعاة لهم ليتجاوزوا عن قاعدة شرعية " لا ضرر ولا ضرار ، وعلى طاعة ولي الأمر .. لأن طاعته مرتبطة بطاعة الله ورسوله ".. - مفهوم الأسعار في الإسلام: يُقصد بالأسعار في المنهج الإسلامي وفقا لموقع " ستار تايمز " بأنها أثمان السلع والخدمات القابلة للتداول والانتفاع بها في حدود ما أحلَّ الله سبحانه وتعالى، والأصل أن تحديد الأسعار بمعرفة إرادة المتعاقدين طبقًا للعقود الإسلامية، ومنها: عقد البيع وعقد السلم وعقد الإجارة في ظل سوق إسلامية طاهرة نظيفة وخالية مما يخالف الشريعة الإسلامية. - المبادئ الإسلامية لتحديد الأسعار: التراضي التام بين البائع والمشترى: وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (النساء: من الآية 29)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشيةَ أن يستقبله" (رواه الخمسة). - الأصل في تحديد ثمن السلعة هو البائع ثم بعد ذلك تتم عملية المساومة. - لقد حرَّمت الشريعة الإسلامية مجموعةً من البيوع؛ نظرًا لأنها لا تتفق مع العدل؛ منها: 1- بيع النجش وبيع المزايدة. 2- تلقي التجار للركبان. 3- بيع الأخ على بيع أخيه. 4- بيعتان في بيعة واحدة. - حكم الإسلام في تدخل الحاكم في تحديد الأسعار: يُثار كل زمانٍ سؤال، وهو: ما حكم الشرع بقضية التسعير للبضائع والخدمات في الأسواق؟ وهل يجوز للحكومة أن تسعِّر للتاجر وتُلزم التجار بسعر معين؟ لقد اختلف فقهاء الإسلام حول هذه المسألة إلى ثلاثة آراء: الرأي الأول: تحريم التسعير: يقول أصحاب هذا الرأي بتحريم التسعير، وأساسهم في ذلك أنه يُروى في الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه أنه قال: "غلا السعر على عهد رسول الله" فقالوا: يا رسول الله.. أسعر لنا، فقال: "الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" (رواه الخمسة إلا النسائي). ولقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث حرمة تدخل الحاكم في تحديد سعر السلع والخدمات؛ لأن في ذلك مظنة الظلم، وحَجْر على الناس في ملكيتهم الخاصة ومنافٍ للحرية، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين. ويقول فقهاء الحنابلة: "التسعير سبب الغلاء؛ لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يُقدموا بسلعهم بلدًا يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون، ومن عنده البضاعة يمتنع عن بيعها ويكتمها ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلاً فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها، فتغلو الأسعار، ويحصل الإضرار بالجانبين: جانب المُلاَّك فما منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضهم فيكون حرامًا". الرأي الثاني: جواز التسعير: يقول أصحاب هذا الرأي إن التسعير ضرورة في كل الحالات؛ لأنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لا تسعروا"، أو "لا يحل التسعير"، وأن الصحابةَ لم يسألوه عن حكم الإسلام في التسعير، وتطبيقًا لقاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، وضرورة سد الذرائع إلى المنكر والحرام واجب. ويرى أصحاب هذا الرأي أن الأخذ بمبدأ التسعير واجب لسد الذرائع إلى المنكر والحرام، مثل الاستغلال والجشع والطمع والاحتكار، وأن هذا من المصالح المرسلة، والتي لم يَرِدْ بشأنها نص صريح يحرِّم التسعير، بل ينطبق عليها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أدرى بشئون دنياكم". الرأي الثالث: جواز التسعير في حالات معينة: هناك من الفقهاء مَن أوجب التسعير عندما تدعو الضرورة إليه، ومنهم ابن تيمية وابن القيم، فيقول ابن تيمية: "وأما التسعير فمنه ما هو ظلم محرم، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حقٍّ على البيع بثمنٍ لا يرضونه أو منعهم مما أباح الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب". وجماع الأمر أن مصلحةَ الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير سُعِّر عليهم تسعير عدل، لا وكس ولا شطط، وإذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدونه لم يُفعل. وخلاص القول في رأي ابن تيمية أن المصلحة العامة للمسلمين هو مناط تدخل الدولة في التسعير، وأن تقدير هذه المصلحة يختلف من زمانٍ إلى زمان، ومن مكانٍ إلى مكان، ويحكم هذه المصلحة تحقيق العدل ومنع الظلم والضرر بين الناس، كما يحكم هذه المصلحة قيم ومثل وسلوك ولي الأمر، وعليه أن يستعين بأهل الاختصاص عند تحديد السعر. متى يكون تدخل الحاكم جائزًا في تحديد السعر؟ يرى فقهاء المسلمين ممن يحبذون تدخل الحاكم في تحديد الأسعار أن ذلك جائز في بعض الحالات؛ منها على سبيل المثال ما يلي: أولاً: حالة الاحتكار: يحرم الإسلام الاحتكار؛ لأنه يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإحداث ضرر بالناس، وأدلته من السنة النبوية الشريفة هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ" (رواه مسلم)، وقوله أيضًا: "من احتكر حكرةً يُريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ"، ولا يقتصر الاحتكار على سلعةٍ دون أخرى أو خدمةٍ دون أخرى، بل إن كل احتكار يسبب ضررًا للناس فهو محرم، ومتى انتفى الضرر من الاحتكار فلا يحرم. ثانيًا: حالة المخمصة: في حالات الأزمات يُجيز الفقهاء التسعير سدًّا لذريعة الاستغلال وارتفاع الأسعار بدون مبرر؛ ففي هذه الحالة يُجبَر الناس على بيع من عندهم بسعر المثل. ثالثًا: حالة تكتل المنتجين ضد المستهلكين أو العكس: هناك بعض الحالات يتكتل فيها المنتجون ضد المستهلكين لإحداث ارتفاع في الأسعار، وأحيانًا أخرى يحدث العكس؛ حيث يتكتل المستهلكون ضد المنتجين لإحداث تخفيضٍ في الأسعار مؤقت، وفي كلتا الحالتين يحدث ضرر، ويستوجب هذا تدخل ولي الأمر للتسعير والرقابة الفعَّالة على ذلك. القواعد الشرعية لتحديد الأسعار لقد تضمنت الشريعة الإسلامية القواعد التي يجب أن يلتزم بها ولي الأمر عند قيامه بالتسعير، من أهمها ما يلي: 1- السعر العدل الذي لا وكسَ فيه ولا شطط: الغاية من تدخل الحاكم في تحديد الأسعار هو منع الظلم وإغلاء الأسعار على المستهلك، ولكن لا يجب أو يوكس المنتج حتى يسبب له خسارة؛ ولذلك يقول ابن تيمية وابن القيم أنه عند التسعير أن يكون عدلاً لا وكس فيه ولا شطط، أي لا بخس فيه للمنتج ولا غلاء فيه على المشتري. 2- الاستعانة بأهل الاختصاص عند التسعير: يتطلب السعر العدل الاستعانة بأهل الاختصاص في كل زمان وذوي الخبرة في مجال السلعة أو الخدمة مجال التسعير، وأن يكون هناك ربح مُرْضٍ للبائع، ويتطلَّب ذلك معرفة كلفة السلعة أو الخدمة وهامش الربح المعتاد في مثل هذا النوع من التجارة حتى يصلوا إلى السعر العدل. 3- تحقيق رضا البائع: بعد تحديد السعر العدل بمعرفة أهل الاختصاص يعرض على البائع حتى يكون عن رضا تام، ويُبين له أنه ليس في السعر المحدد إجحاف له. 4- التسعير عند الحاجة والضرورة: التسعير ليس ضروريًّا وواجبًا في كل السلع والخدمات، وفي كل الأوقات، بل منوط بالحاجة إليه؛ فمن الفقهاء مَن يُجيزونه في بعض السلع دون غيرها مثل جوازه في سلع الطعام؛ ففي هذا الخصوص يقول ابن تيمية: "إن لولي الأمر أن يُكرَه الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه مثل ما عنده طعام لا يحتاج إليه الناس في مخمصة؛ فإنه يُجبَر على بيعه للناس بقيمة المثل"، ويُفهم من قول ابن تيمية أن التسعير واجب في حالة السلع الضرورية وفي حالة المخمصة.