يعد فاضل الربيعي (50 سنة) الفطور لابنته الصغرى دانية (15 سنة)، وسط استياء سكان البيت الآخرين وهم خمسة اشقاء صبيان، يتّهمهم والدهم بأنهم يضطهدون شقيقتهم ويعاملونها كخادمة ويخلّفون الفوضى في المنزل. ولا توجد في العراق احصاءات أو أبحاث دقيقة لتصنيف مستوى المشكلات الاسرية والنفسية بين الاسر التي يغلب عليها طابع ذكوري وتلك التي تتكوّن من اكثرية ساحقة من الاناث في المنزل. ولا يتردد الربيعي في ابداء معاملته الخاصة لابنته: «لا بد ان تحظى هي بالدلال لكونها البنت الوحيدة وسط خمسة اشقاء تضجرني مشكلاتهم وكنت اتمنى لو كان جميع اولادي اناثاً». وعادة ما تكون البنت ملاذ ابيها تغدقه بالعطف والحنان، وتتعامل بحس مرهف مع كل من حولها، «بعكس اولادي الاشقياء الذين اعتادوا العبث والفوضى في كل شيء ناهيك بتعاملهم الخشن مع الآخرين حتى معي او مع والدتهم»، على حدّ قوله. وتتباين نظرة المجتمع العراقي الى «الذكر والانثى»، بحسب تكوين العائلة وانحدارها العشائري او المجتمعي. ففي الاسر الريفية يحظى الابن باهتمام والديه ويفضلانه في كثير من الاحيان على البنت، فالذكر مصدر قوة واستثمار في الزراعة. وتنسحب مثل تلك الافكار الى بعض الاسر التي تسكن مراكز المدن كما هي الحال في بعض احياء بغداد التي يتمسك أهلها بنمط الحياة الريفية على رغم وجودهم في المدينة منذ عقود. وتمنح بعض الأسر أولادها الذكور صلاحية التحكم بتصرفات شقيقاتهم، كأن يتدخل الاخ الأصغر بخصوصيات شقيقاته ممن يكبرنه سناً كما هي الحال مع علي (18 سنة) الذي يعيش في كنف اسرته التي تضم ثلاث اخوات يكبرنه سناً، فضلاً عن والديه، وبسبب شغف اسرته وتعطشها لمجيء «الولد»، مُنح حرية تعامل مطلقة مع شقيقاته اللواتي يفقنه في تحصيلهن الدراسي وفي العمر بأسالوب الوصاية. ويظهر الاختلاف بين الأسر التي ترزق فتيات أو ذكوراً في مراحل متعددة، اولها في المنزل نفسه، إذ أن البيت الذي تقطنه عائلة علي، على سبيل المثال، مرتب ويمكن ملاحظة اللمسات الأنثوية فيه مثل النباتات وألوان الأثاث وطريقة تنظيمه وأيضاً عدم تعرضه الى اضرار كبيرة على رغم ان رب العائلة يقول انه اشتراه منذ 10 سنوات، على عكس منزل عائلة الربيعي الذي يقول بالمقابل انه يعيش في «زريبة» يفرض فيها الصبيان نمط حياتهم. وتتمتع الاسر التي تخلو من الذكور بمساحة اكبر من الحرية، بحسب زينة (27 سنة) التي تصف حال اسرتها المكونة من خمس شقيقات ب «الاستثنائي». وتقول: «اضطلعت امي بتحمل كل المسؤوليات وتحولت الى صديقة بعيداً من التعصب واصدار الاوامر المنزلية، فحياتنا هادئة وشجاراتنا لا تتعدى الخلافات البسيطة والوقتية». وحتى وقت قريب كن يتمنّين لو كان لديهن اخ يعتمدن عليه، ولكنها تستدرك: «وربما لو كان لنا اخ لتغيرت الحال كثيراً». الباحثة الاجتماعية واستاذة علم الاجتماع في معهد اعداد المعلمين في بغداد انتصار العبادي تقول: «العائلات العراقية تفتخر بابنائها من الذكور، وهو تقليد عشائري ما زال معمولاً به لدى الكثيرين، وبما ان المجتمع العراقي يمكن تصنيفه كمجتمع ذكوري بات من الطبيعي ان يحظى الذكر باهتمام خاص». وتضيف: «ما يحدث ان الابناء من الذكور لا يقدّرون قيمة هذه المكانة ما ينعكس سلباً على سلوكهم ازاء شقيقاتهم اذ يشعر الصبي بحقه في التدخل بشؤون شقيقاته تحت يافطة الحرص عليها والخشية من ان تقع في الخطأ». وترى العبادي ان «هذا لا يمنع وجود عائلات تتعامل بتساو مع ابنائها ولا تميز بين الذكر والانثى وهو ما نجده لدى غالبية العائلات المثقفة في بغداد وخصوصاً العائلات التي يكون فيها الام والاب من العاملين ويتمتعان بمستوى ثقافي وعلمي معقول».