يبدو أن حنق الإسلاميين هذا العام ليس على مساحة الحرية للكتب، بقدر ما هو على الأسماء التي استضيفت في المعرض، إذ شنت حملات تحذيرية في الشبكة العنكبوتية على ضيفي المعرض المفكر محمد عابد الجابري والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي من الدرجة الأولى. وعلى رغم أن محاضرة «تجربتي التأليفية» للجابري كانت آخر الفعاليات، وعنوانها لا يتوقع منه أي جدل مصاحب، ورأى فيه البعض مراهقة وتسطيحاً كما قال الدكتور عبدالله الغذامي، إلا أن هذا لم يعف القائمون على المعرض من الاتهام والتشكيك الديني. لم تكن الكتابات المعارضة لحضور المثقفين السابقين مجرد مقالات اجتهادية، إذ قدم الباحث سليمان الخراشي تقارير مطولة عن الجابري، تبدأ بنبذة تعريفية عن بطاقته الشخصية، ومن ثم تعرج على أبرز مؤلفاته والدراسات التي ألفت فيه وآرائه حول بعض القضايا التي يراها مخالفة، وابتسار لبعض الحوارات التي نشرت له في مجلات أو صحف، كما قدم صاحبه الباحث سليمان الدويش، تقريراً في «الساحة السياسية» للشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي سعى فيه لإدانته، إذ نشر قصائد لحجازي تتكلم عن الخمرة والجنس فقط، وتجاهل بقية أطروحاته، وأشار إلى انتماءاته للاشتراكية، كما لم تسلم الشاعرة فوزية أبو خالد من اتهام بعض قصائدها بالكفر، إضافة إلى تسفيه الروائي عبده خال. كما قدمت الوزارة أربعة أيام مستقلة للرجال (لمن لا يرغب في مزاحمة النساء)، في حين كانت جميع أيام المعرض مفتوحة للجميع، ما جعل البعض يشعر بأن «بعبع» الاختلاط كان مجرد وهم، إذ لم يسجل رجال الأمن أي اعتداء جراء ذلك، خصوصاً أن مساحة المعرض اكبر مما كانت عليه في السابق، إلا أن هذا لم يرق لإحدى النساء التي لم تجد بداً من الدخول إلى المركز الإعلامي في المعرض، وطالبت الإعلاميين بأن يوصلوا صوتها حول الغاية من قصر أيام على الرجال وحدهم، فأخبرت بأن بعض الرجال لا يحبذ زيارة المعرض بحضرة نساء، فتساءلت ألسنا نحن النساء أولى بذلك؟ وقالت: «بعض النساء تتحرج من دخول بعض الدور إذا كانت مكتظة بالرجال، فلماذا لا يخصص لنا يوم مستقل شبيه بالرجال؟». ضجر الإسلاميين الذي رافق المعرض السابق حول حرية بيع الكتب لم يكن حاضراً هذا العام، ما أثار استياء خصومهم، فوصف المنع بالظاهرة غير الصحية، ووسيلة تخدم دور النشر في سهولة نفاد أي كتاب ممنوع. إلى جانب ذلك، نجحت تأكيدات الوزير الجديد للثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة بأن التجاوزات، التي حدثت في الدورات السابقة من معرض الرياض الدولي للكتاب لا تعد قاعدة، فلم يسجل المعرض حالات اجتهادية مزعجة للمحتسبين، بل كان الضجيج حول موقف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عندما طلب الروائيان عبده خال وعبدالله ثابت من الشاعرة حليمة مظفر أن توقع لهما، فحالت الهيئة دون ذلك، ولم يقتصر الأمر على نشر الخبر في الصحف فحسب، بل تناولت قنوات أجنبية ك BBC العربية الحادثة، وأشارت إليها في نشراتها الإخبارية، كما سردت الكاتبة تفاصيل القصة كاملة في مقالها، «أين حسن الظن يا معالي رئيس الهيئة؟»، واعتبرت أن ما حدث أزعجها جداً، وانه إهانة لها ولكرامة المثقفين والأدباء السعوديين، معتقدة أن ما حدث لا يرضي رئيس الهيئة الجديد الشيخ عبدالعزيز الحمين، الذي أكد على مبدأ إحسان الظن.