شهدت العلاقات الروسية-الايرانية خلال الايام الماضية، سجالاً سياسياً واتهامات متبادلة علي قضيتين، هما الملف النووي الايراني ومنظومة الصواريخ «اس-300» الروسية الصنع. وتتوقع اوساط ايرانية فصلاً جديداً من السلوك الروسي حيال ايران، بعد استلام طهران عدداً من الاشارات المتزامنة لمسؤولين روس حيال القضايا التي تربطهم بالجانب الايراني. فالرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف انتقد الموقف الايراني حيال محادثات فيينا المتعلقة بتزويد ايران وقوداً مرتفع التخصيب، خلال لقائه نظيره الاميركي باراك اوباما، ووزير الطاقة الروسي سيرغي شماتكو اعلن عن عدم بدء تشغيل مفاعل «بوشهر» النووي قبل نهاية هذا العام، بخلاف ما تعهد به الجانب الروسي، في وقت تنصلت روسيا من تزويد ايران منظومة صواريخ «اس-300» لمواجهة اي هجمات محتملة تستهدف منشآتها النووية. واذا كانت دوافع روسيا معروفة حيال الملف النووي الايراني، الا ان طهران اعربت عن استغرابها موقف موسكو حيال تزويدها الصواريخ. فرئيس الاركان الايراني الجنرال حسن فيروز ابادي اعرب عن امتعاضه من السلوك الروسي الذي «يمتنع عن تزويد ايران بهذه المنظومة» التي تم الاتفاق عليها بين الحكومتين، متسائلاً عن الاسباب التي تحول دون ان تفكر موسكو في «الاهمية الجيوسياسية الايرانية للامن القومي الروسي». وتعود قضية الصواريخ الي منتصف عام 2005، حين طلبت ايران من روسيا تزويدها منظومة صواريخ دفاعية في اطار العلاقات المتنامية التي شهدتها طهرانوموسكو آنذاك. واقترحت روسيا منظومة صواريخ «اس-300» لنصبها في طهران و4 مناطق اخري، هي المنشآت النووية في اصفهان والمقر المركزي للقوات البحرية في مدينة بندر عباس ومفاعل «بوشهر» ومحطتي تصدير النفط في عبادان وخرمشهر. وتُعتبر منظومة صواريخ «اس-300» من احدث النظم الدفاعية التي تستطيع اصابة الاهداف الجوية مثل المقاتلات وصواريخ «كروز»، بشعاع دائري يبلغ 145 كيلومتراً وعلي ارتفاع 27 كيلومتراً، بخلاف صواريخ «تور ام 1» الروسية الصنع التي حصلت عليها ايران، والتي تصيب اهدافها بشعاع 12 كيلومتراً، وعلى ارتفاع 6 كيلومترات. اضافة الي ذلك، يبلغ مدى صواريخ «اس-300» 300 كيلومتر، وتعمل في اطار نظام يتمتع بقدرة عالية يستطيع التكيف مع الظروف الجوية المختلفة ويتعامل بنجاح وبسرعة مع صواريخ «كروز» والصواريخ الباليستية الاخري. وتفيد معلومات روسية بأن هذه المنظومة من الصواريخ تستطيع منافسة منظومة صواريخ «باتريوت» الاميركية، اذ تتمكن من رصد 100 هدف في آن واحد، وملاحقة 12 هدفاً في الوقت ذاته، اضافة الي ان الاهداف الوهمية لا تؤثر علي هذه المنظومة. ويعتقد الايرانيون ان خصائص هذه المنظومة الصاروخية هي التي دفعت رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت لزيارة موسكو في تشرين الاول (اكتوبر) 2008 وحض الحكومة الروسية على عدم تزويد ايران بها، ما دعا الناطق باسم الخارجية الروسية الي الاعلان عن «عدم رغبة الحكومة الروسية في تزويد الدول الواقعة في المناطق غير الامنة والمضطربة، بهذه الصواريخ». وحاول وزير الدفاع الايراني السابق مصطفى محمد نجار خلال زيارته لموسكو في شباط (فبراير) 2009، إقناع روسيا بتزويد ايران هذه الصواريخ، معلناً نية الروس تنفيذ هذه الصفقة بناءً علي الاتفاق الموقع بين البلدين. وبعد مرور تسعة شهور علي هذه الزيارة، يبدو ان الروس لا يملكون القناعة الكافية بتزويد ايران هذه المنظومة، وعلى الاقل في مثل هذه الظروف، على رغم تأكيد الجانب الايراني علي ذلك. وراي فيروز ابادي ان «ليس من مصلحة روسيا ان تظهر امام الراي العام العالمي بوصفها شريكاً غير مطمئن»، مطالباً روسيا برفض «الضغوط التي تمارسها اسرائيل» وتنفيذ الاتفاق حول صواريخ «اس-300». وكانت اسرائيل اتفقت مع روسيا في آذار (مارس) 2009 علي تزويدها طائرات متطورة من دون طيار، ما فسرته دوائر ايرانية بانه يأتي في اطار محاولة اقناع الحكومة الروسية بعدم تزويد ايران بمنظومة الصواريخ المذكورة. وثمة اعتقاد بأن قبول روسيا تزويد ايران صواريخ «اس-300»، كان في اطار الظروف التي حكمت علاقة موسكو بالادارة الاميركية السابقة.