«الشارع لا يرحم ولا يفهم» تقول تغريد (27عاماً) مشيرة إلى إشكالية مفهوم الأناقة في المجتمع اليمني حيث يبدو مظهر الشباب محكوماً بالثقافة والطبقة الاجتماعية والجغرافيا. فعلى رغم التحولات الثورية المتنوعة التي شهدها اليمن منذ نصف قرن، اتسم مسار الأناقة بالتشظي والتعرج، بل بالتقهقر. وتشير عودة بعض الشباب إلى ارتداء الزي التقليدي الوثيق الصلة بثقافة الانقلابين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء، إلى مدى التأثيرات التي تتركها الأحداث السياسية والدينية على نمط المظهر. وإضافة إلى التأثير الخارجي، الغربي خصوصاً، والذي يبدو قاسماً مشتركاً في صوغ مظهر شبان اليمن على تعدد مناطقهم وميولهم، ثمة عوامل سياسية وثقافية ودينية تلعب دوراً في صوغ مظهر الشباب ولباسهم، بل وفي لغة التخاطب بينهم أيضاً. وخلال الثورة الشعبية التي شهدها اليمن في 2011 برز في ساحات الاحتجاج ارتداء شبان يساريين البيريه الغيفاري» (نسبة إلى تشي غيفارا) وعصب الناشطات رؤوسهن بقماش يزدان بصورة الثائر الأرجنتيني. وتذكر إشراق، وهي ناشطة في ساحة الحرية في مدينة تعز، أن ناشطات من حزب تجمع الإصلاح (الإخوان المسلمون) اعتقدن أن غيفارا هو أحد شهداء الحزب الاشتراكي اليمني. والحال أن ثورات الربيع العربي في حال اليمن لم تترك أثراً كبيراً في ثقافة المظهر، وباستثناء التوشح بخرق ملونة رسمت عليها ألوان وشعارات تعكس الانتماء إلى اليمن وموضة الرسم على الجسد لم تسجل حالات كثيرة تشي بتمرد على نمط الزي والمظهر. وعموماً، طغى السواد على التظاهرات النسائية بحكم المشاركة الكثيفة للجماعات الإسلامية. وما يمكن اعتباره تحرر ناشطات في جماعة الإخوان ينحصر في نزع النقاب عن الوجه، ويعود إلى لحظة خروج حزب الإصلاح الإسلامي من السلطة وتحالفه مع أحزاب يسارية وقومية. وتعد الناشطة الحائزة جائزة نوبل توكل كرمان والكاتبة رشيدة القيلي مثالين بارزين لإخوانيات نزعن النقاب بعد تفجر الربيع العربي. والتحول الأكبر برز على شبان الإخوان الذين شرع كثير منهم في ارتداء ملابس تحاكي الموضة وحلقوا اللحية والشاربين. وبات واضحاً أن ثقافة المظهر لم تعرف تطوراً صاعداً. فمقابل ظهور طالبات في كلية التربية في عدن بتنانير قصيرة وقمصان على النمط الإنكليزي حسبما تبين صور فوتوغرافية تعود إلى ستينيات القرن العشرين، بات القماش الأسود الذي يغطي كامل الجسد لباساً لمعظم فتيات الجنوب حتى كادت عدن تصبح نسخة من صنعاء، علماً أن الاشتراكيين أنفسهم كانوا يتهمون من يهتم بمظهره ب «التبرجز»، أي أنه من أصحاب الميول البرجوازية. أما اليوم، فتنحصر إمكانات التمايز والاهتمام بالأناقة في حدود هذا الرداء الأسود المعروف باسم الشرشف والعباية، فيما انتشرت موديلات من العباية الخليجية تطرز بأشكال وأسماء مختلفة. ومع تمدد الحوثيين واجتياحهم صنعاء في أيلول ( سبتمبر) الماضي وسيطرتهم على السلطة بقوة السلاح شهدت ثقافة المظهر «انتكاسة كبرى» وفق قول تغريد التي تعمل سكرتيرة إدارية في شركة خاصة، مشيرة إلى سواد «أكثر عتمة من سواد الإخوانيات» طغا على مسيرات نظمتها الحركة في صنعاء بالتوازي مع حصار مسلحيها للمدينة الصيف الماضي. وهيمن الزي التقليدي القبائلي المؤلف من ثوب وجنبية ومعطف ومشدة على الحوثيين الذكور، المتظاهرين منهم والمسلحين على السواء، فيما ظهر بعضهم على شاشات الفضائيات يمضغون القات. وكان مظهر المسلحين الحوثيين في صنعاء ومدن شمالية عدة تحول موضوعاً للتندر والسخرية وصل أحياناً إلى درجة التجريح. ويوصف زعيم الحركة الحوثية الشيعية المسلحة عبد الملك الحوثي ب «رجل الكهف»، في إشارة إلى تخلف نمط الحياة والأفكار التي يدعو إليها وإلى البيئة الجبلية التي انطلق منها ويقيم فيها. لكنه، أي الحوثي، الذي لم يبلغ بعد سن الأربعين، بات مثالاً يحتذي لكثير من الشبان المناصرين لحركته. فيحاكي هؤلاء مظهره، خصوصاً لجهة التزين بخاتم من العقيق يضعه على خنصر يده اليمنى. ويتصف الزي الشعبي اليمني بالطبقية الحادة. ويختلف زي الهاشميين الذين حكموا شمال اليمن لما يزيد عن ألف عام عن غيرهم من الفئات وحتى وضع الجنبية (الخنجر اليمني) يختلف لديهم. ومع تفاقم النزعات الجهوية والمذهبية برز نوع من الشوفينية طاولت اللباس أيضاً. ويعمد مصممو أزياء محليون إلى ابتكار أنماط من الأزياء النسائية تمازج بين التراث والمعاصرة حيث ظهرت في مناسبات مختلفة فتيات يرتدين أزياء تعكس مناطقهن. والواقع أن حدود التأنق كانت ولا تزال محكومة بالثقافة العامة وطبيعة التوجه السياسي للنظام، فعلى رغم شعار «إحراق الشرشف واجب» الذي رفع في الجنوب في سبعينيات القرن العشرين، إلا أن الحجاب عاد بكثافة إلى هذه المناطق بعد انتهاء الحكم الاشتراكي وتمدد الحركات الإسلامية. ويواجَه إصرار بعض الفتيات على مصادمة السائد والسباحة ضد التيار بمعوقات كثيرة، ففي نهاية العام الماضي مثلاً أمر قاضي محكمة في تعز بإخراج محامية وناشطة حقوقية من القاعة بسبب لباسها الذي وجده ضيقاً على رغم أنه يغطي كامل جسدها ورأسها باستثناء الوجه. ولا ينحصر هذا الأمر بالإناث فقط، بل تطاول ثقافة العيب الذكور ايضاً. وتفيد طرفة يعتقد أن مصدرها الحوثيين، بأن الرئيس السابق علي عبد الله صالح طاح (سقط) من الحكم لأنه لبس سروال «طيحني»، وهو نوع من بنطلونات الجينز ذات الخصر الساحل.