اعتبر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن «الوقت حان للإرتقاء بروسيا إلى مستوى حضاري أعلى»، وأطلق في رسالته السنوية إلى الهيئة الاشتراعية الروسية امس، مشروعاً شاملاً لتحديث البنى التحتية في البلاد، لأن روسيا «لا يمكنها أن تعيش على إنجازات الماضي إلى ما لا نهاية». وعلى رغم تجنبه توجيه انتقاد مباشر لعمل الحكومة برئاسة فلاديمير بوتين، فإن ميدفيديف استخدم عبارات قاسية عندما أشار إلى إخفاقات في تحسين الأوضاع ومواجهة الأزمة المالية، كما لفت إلى أن تشديد قبضة الدولة على القطاعات الاقتصادية «ينبغي أن ينتهي»، وزاد أن الشركات الحكومية الكبرى (التي سيطرت بدعم مباشر من بوتين على القطاعات الحيوية) «لم تجلب الخير إلى البلاد». كذلك تطرق ميدفيديف إلى الحياة الحزبية في روسيا معتبراً أنها لا تمر بأحسن مراحلها، وغمز للمرة الأولى من قناة حزب «روسيا الموحدة» المسيطر في البرلمان، مشيراً إلى أن «لا مكان للتفكير بأن أحداً أعلى من القانون اياً يكن إنتماؤه الحزبي، وكل الأحزاب متساوية أمام العدالة، ولا توجد فوارق بين الأحزاب صغيرة كانت أو كبيرة». في الوقت ذاته، أكد ميدفيديف أن روسيا «تستطيع الحصول على وضع دولة عظمى على أساس مبدئي جديد» . وتحدث مطولاً عن ضرورة الارتقاء بالمستوى التكنولوجي العلمي، واضعاً مهمات محددة أمام الحكومة لتنفيذها في غضون العامين المقبلين. كما تطرق إلى النظام التعليمي وآليات النهوض به على كل المستويات بدءاً من المدرسة وانتهاء بأعلى المؤسسات التعليمية. ولفت إلى ضرورة إعادة بناء الاقتصاد الروسي في شكل لا يعتمد على الاحتكارات الحكومية الكبرى التي «لم تجلب الخير ولا يمكن أن تعيش طويلاً». وكلف الحكومة بتقديم دراسة لتحويل المؤسسات الاحتكارية الحكومية الكبرى إلى شركات مساهمة تعمل تحت إشراف الحكومة. وفي المجال الاقتصادي أيضاً، سار ميدفيديف خطوة جديدة لإظهار تميزه عن سلفه بوتين عندما شدد على توجهه نحو «تخفيف سطوة الدولة على القطاعات الاقتصادية عموماً». التحديث العسكري وحول برامج التحديث العسكري، قال أن أمام روسيا «مهمة معقدة ولكنها أساسية وتتمثل في إعادة تجهيز القوات بأحدث منظومات ونماذج الأسلحة والتقنيات العسكرية». وأضاف أن برامج التحديث العسكري للعام 2010 تشتمل على تزويد الجيش بأكثر من ثلاثين صاروخاً استراتيجياً عابراً للقارات وخمس منظومات من طراز «اسكندر» الصاروخية، و300 قطعة من التقنيات المدرعة و30 مروحية و28 طائرة إستراتيجية وثلاث غواصات نووية وبارجة و11 جهازاً فضائياً. وذكر الرئيس الروسي أن برنامج تطوير الطاقة الذرية «خصص له اتجاه جديد»، موضحاً أن روسيا «ستحصل قبل حلول العام 2014 على صواريخ من الجيل الجديد ووقود نووي لتلبية حاجات المنتجين الروس والأجانب». لكن ميدفيديف توقف طويلاً بعد استعراض برنامجه التحديثي أمام مشكلة الفساد المستشري التي وصفها بأنها «التهديد الأساسي الذي يعيق تطور روسيا». وتعهد الضرب بقوة على ايدي الفاسدين وخصوصاً في الجهاز الحكومي والأجهزة الأمنية، وأورد تفاصيل عن 4500 قضية فساد داخل مؤسسات حكومية عرضت أمام المحاكم الروسية خلال الأشهر الستة الأخيرة، مؤكداً أن أحكاماً صدرت ضد المدانين، وكان من بينهم 532 مسؤولاً في الحكومة و700 مسؤول أمني. القوقاز وتطرق ميدفيديف إلى الوضع في منطقة القوقاز، معتبراً أن روسيا «تواجه الإرهاب الدولي»، في إشارة إلى تصاعد العنف الدموي في المنطقة، وتعهد بشن «حرب لا هوادة فيها على الإرهابيين». لكنه أكد في الوقت ذاته أن نشاط المسلحين المتطرفين «لم يكن ليلقى أرضاً خصبة لولا تفاقم المشكلات الاجتماعية والمعيشية في المنطقة»، معتبراً أن تحسين الأوضاع الاقتصادية في القوقاز «له أهمية خاصة». ومر الرئيس الروسي سريعاً على السياسة الخارجية مذكراً الهيئة الاشتراعية بأن «التوجه العام للسياسة الخارجية الروسية لم يتغير ويبقى هدفنا الأساسي هو النهوض بمكانة ورفاه البلد». وأشار إلى أن موسكو «ستواصل العمل بسياسة براغماتية تقوم على المصالح المتبادلة، وتؤكد سعيها الى المساهمة في تعزيز وضع عالم متعدد الأقطاب يقوم على أساس علاقات « أكثر عدلاً». وشدد على استعداد روسيا لمواصلة التعاون مع شركائها في العالم لتسوية مشكلتي إيران وكوريا الشمالية والوضع في أفغانستان والنزاع المستعصي في الشرق الأوسط.