على وقع «الزير» يستعرض أهل جازان في فلكلورهم الشعبي أجسادهم المرنة، وهم يتمايلون بسرعة وخفة مصحوبة بحمل الخناجر، في تراثٍ ارتبط كبقية العرضات الفلكلورية بتاريخ الحرب والصبر والنصر، إلا أن دلالات العرضة الجازانية تحمل في معانيها تأثير تضاريس الجبل والسهل، وهي تلهمهم في احتفال النصر تسويق خبرتهم في سرعة التحرك ومرونة التنقل. تسميات الأرض في جازان تحكي تاريخ سكانها مع تراب أرضهم، إذ إن أسماء جبال «الحشر» و «القهر» وطبيعة وادي «لجب»، وقرية «كرس الحروب» تعكس صبرهم على صعوبة الطبيعة بين الجبل والسهل. تستلهم جبال الحشر اسمها من يوم البعث إمعاناً في دلالة الاسم، وترتفع جبال القهر بتركيباتها الصخرية المعقدة حتى تتساءل العين قبل اللسان أحياناً: «كيف لبشر أن يسير عليها»، فيما تنقطع الأنفاس حتى الوصول إلى وادي لجب وشرب الماء من غيلانه. يحكي التاريخ عن أبناء جازان تناغمهم عند القتال مع تضاريس الوادي والجبل، وتحويل الطبيعة إلى خطة عسكرية، أحياناً على شكل خط دفاع وأحياناً مراكز هجوم، وتحفظ لهم قمم الجبال وبطون الأودية قصص تكسر الجيوش وبقائهم. حين تُعرض على الإنسان الجازاني أزمة «حرب» فلن تجده إلا مستعيناً بخبرة صبره على أزمة «مرض»، وإن جارت عليه الدنيا في «غربة»، فلن تجده إلا صاحب جلدٍ يتذكر أيام صعوبة التعامل مع تضاريس الطبيعة. ابن القرية الجازانية وفيٌ لكل من حوله، يعيش معهم ظرف الزمان والمكان بصبر، ولا ينسى أن الدنيا تدور، يفتح بابه اليوم، ضماناً لنفسه من جور الغد ونخوةً من عند نفسه تعرفها جينات دمه جيداً، وفي موقف حرب «جبل دخان» الحالية تحضر الصورة الافتراضية، ابن صامطة يفتح باب بيته لابن الخوبة، وابن أبي عريش يفتح الباب لابن قرية القرن. ولا يتوقف وفاء ابن جازان عند البشر، فعلاقة القروي مع ماشيته وأرضه يعرف حدودها بوضوح، فهي مصدر عيشه وقوت يومه، يحافظ عليها كأبنائه، ويرعاها كما يرعى نفسه وأكثر، يعرف بوضوح أكثر أن بمرضها يمرض، وبموتها يموت. وكما يتناغم الجازاني مع قسوة المكان والزمان، فإن ذاكرته لا تخلو من أزمنة الذكرى الجميلة عن الأقارب والأصدقاء، وحين تجلس إلى الجازاني فلن تملّ حديثه، يحدثك بسرعة عباراته عن كل التفاصيل بدقةٍ تنبئك عن سرعة البديهة وحدة الملاحظة، ويروي لك قصص الخرافة والحقيقة بتفاصيل وجه واحدة، وحين يلقي نكاته، تجد روح الدعابة تحرك أطرافه. ولا تخلو ذائقة الجازاني من التفاعل مع طبيعة أرضه، فالألوان الزاهية التي يتخذها لباساً هي من وحي الطبيعة، وتصميم لباسه يسهل له الحركة سريعاً، ورائحة الكادي تملأ جوارحه وأنفاسه، كما أن تخضيب اليدين بالحنا هي متعة الناظر. وإن نزح الجازاني وطالت غربته وتكالبت عليه الظروف، فلن تجده إلا صاحب اللكنة الجازانية المعروفة معتزاً ومعتزياً بها، يلحن ويغني بعاطفة جياشة لا ينافسه فيها أحد، وعلى اللحن السريع: «شاقني مخضب ام حنا، مثلما الغصن ميادي ... بو عيون وله طلعه، كالقمر في ام سما بادي ... تسحرك لفتة ام مقله، الله وأكبر على الكاذي ... لاح بارق على جيزان، أمسى درب النجا وادي ... واستما أم نزع من فيفا، الله و أكبر على الكاذي».