مخطئ من ظنّ أن غزو المسلسلات اللاتينية للشاشات العربية ولّى الى غير رجعة بعد نحو عقدين على ظهورها في بلادنا وانخفاض شعبيتها. ومخطئ أكثر من فاته ان «الانبهار» العربي بالمسلسلات التركية لن يدوم طويلاً، ما استدعى من القنوات التلفزيونية وسائل جديدة للمواجهة والتحدي. الغزو اللاتيني عائد، ولكن هذه المرة بوجوه عربية. وبما ان برامج الألعاب والمسابقات والغناء استهلكت كثيراً على شاشاتنا، كان الاتجاه لاستنساخ مسلسلات أميركا اللاتينية. وإذا كانت الغزوة الأولى تميزت ببصمة لاتينية صرفة لم تستطع الدبلجة الى العربية الفصحى ان تمحوها، فإن العودة كان لا بد لها ان تكون أكثر إقناعاً، والوصفة جاهزة: طاقم فني سوري مطعّم بممثلين من أكثر من جنسية عربية، ونص درامي لمسته يد الرقيب ليتوافق «قدر الإمكان» وبيئتنا العربية. أمام هذه المعادلة يتضاعف الخوف من ان تتحول هذه الخطوة الى موجة تجتاح الشاشات العربية. وما يزيد هذا الشعور ان القناة صاحبة هذا السبق («ام بي سي» من خلال مسلسل «رجال مطلوبون») رائدة في مجال الموجات التلفزيونية. يكفي انها كانت صاحبة الفضل في إطلاق شرارة المسلسلات التركية التي غزت الشاشات العربية في شكل لم يكن يتوقعه احد. ويقيناً ان مثل هذه التجربة لن تمر مرور الكرام. أولاً، لأنها تُقدم عبر محطة رائجة. وثانياً، لأنها تشكل فتحاً جديداً في عالم الفضاء العربي على رغم كل عوراتها. ولعل النافر في هذه التجربة امتداد احداثها على مدى 90 حلقة، ما يعد سابقة في الدراما العربية. فإذا كانت الإطالة من أبرز الانتقادات التي تواجه هذه الدراما من المحيط الى الخليج لضرورات إنتاجية تتعلق بتسويق مسلسلات على قياس شهر رمضان - أي مسلسلات تمتد على مدى 30 حلقة - (الى درجة ندرت المسلسلات العربية التي تنتج للعرض خارج الموسم الرمضاني)، فإن استنساخ الدراما اللاتينية لن يكون أفضل حالاً. فهنا قد تمتد الحلقات الى ما لا نهاية. وقد يتحلق من حولها الناس على رغم سخريتهم من جمود الأحداث التي تنقلب 180 درجة في الحلقة الأخيرة من دون اي تمهيد مسبق في متن الحلقات... اما المشاهد فأضحى امام هذه الأعمال على يقين من انه يمكنه ان يفوّت حلقات كثيرة من مسلسل من هذا النوع من دون ان يفوّت شيئاً من حوادثه على الإطلاق في ظل غياب شبه تام لأي تصاعد في الحبكة او اي تطور في الشخصيات. ظاهرة تلفزيونية جديدة يكتب فصولها مسلسل «رجال مطلوبون»؟ أكيد. لكنها حتماً وإن كان سيكتب لها النجاح، لن تساهم في ارتقاء الدراما العربية التي لا تزال محاصرة بعدد حلقات لا يخدم السيناريو ولا صناع هذه الأعمال. ويبقى الأمل بتجربة السباعيات (أي المسلسلات المؤلفة من سبع حلقات) التي بدأت تتسلل الى خريطة برامجنا التلفزيونية علّها تصبح يوماً موجة تصيب الفضائيات كافة.