في برنامج «مهمة خاصة» الذي بثته قناة «العربية» مساء 29 تشرين الأول (أكتوبر) أجرى مقدم البرنامج تحقيقاً صحافياً مؤثراً مع عدد من بائعات الشاي اللائي أجبرتهن قسوة الحياة وظلم الحكام وانصراف المسؤولين عن القيام بواجباتهم لرفع المعاناة عن السواد الأعظم من الناس على العمل في هذه المهنة المهينة، كما وصفنها، خصوصاً بعد ان تعطل أزواجهن وأبناؤهن عن العمل لأن العمل في السودان لا يتسنى إلا لمن هم من أنصار النظام الحاكم، فجاعت هؤلاء النسوة وأسرهن ووجدن أنفسهن أمام خيارات، أخفّها وطأة بيع الشاي. يكاد قلب المرء ينفطر حزناً وألماً وهو يستمع إليهن وهن يروين معاناتهن لإعالة أسرهن وكيف ان بعض زبائنهن من الذين لا أدب لهم ولا حياء يتلفظون بألفاظ قالت إحداهن انها طوال حياتها لم تسمع مثلها إلا حينما خرجت تبيع الشاي، وأطلقت دمعة سخية وهي تقول ذلك! لله درك يا بن الخطاب فلو كنت حياً لما عانت هؤلاء النسوة، ولكن هذا زمان «العُمريين الجدد». وقد أجمعت النساء المسكينات على ان أكثر ما يقلقهن ويقض مضجعهن ويرعبهن هم رجال المحليات (البلدية)، أو كما قلن «ناس الكشات» الذين يطاردوهن ويصادرون معدّاتهن البسيطة من موقد وأكواب وبراد وكفتيرة هي كل رأس مالهن لصناعة الشاي. والأدهى والأمرّ انهن ذكرن ان هؤلاء بعد مصادرة هذه الأشياء يساوموهن على استردادها بعد دفع مبلغ من المال، او حتى بعضهم من عديمي الخلق يساوموهن على أعراضهن! فالتحية والتقدير لهؤلاء اللاتي ما زلن صامدات أبت عليهن أنفسهن الأبية إلا أن يكافحن بالكسب الحلال لكفايتهن وأسرهن مؤونة الحياة ومتطلباتها ورأيناهن وسط أسرهنّ يسردن كيف استطعن الوقوف الى جانب إخوانهن وأخواتهن حتى تخرّج البعض منهم في الجامعات، ليضربن أروع المثل في التضحية ونكران الذات. والسؤال: ما الذي يمكن ان تضيفه بضعة جنيهات مما يتم تحصيله من هؤلاء المسكينات الى موازنة المحليات؟ أليست هؤلاء النسوة من مستحقي الزكاة بحسب مصارف الزكاة؟ ألا يعلم هؤلاء الجباة من البلدية ان كل ما تملكه إحدى هؤلاء النسوة من معدّات إنتاجهن زائداً دخل يوم كامل لا يساوي وجبة خفيفة لأي من القابعين تحت المكيفات في مكاتبهم الفاخرة. والغريب ان مقدم البرنامج قابل مسؤولة اتحاد المرأة التي اعترفت بأن الشرطة وناس الكشة هم الذين يستغلون بعض هؤلاء النسوة (...) وكان أسلوبها في الكلام كمن تتحدث عن وباء أو داء تود لو تستطيع ان تقضي عليه بالقضاء على هؤلاء المسكينات لشعورها بأنهن عبء على دولة «التوجه الحضاري». اتقوا الله يا هؤلاء في الضعفاء، فبسببهم تنزل الأمطار وينمو الزرع ويدرّ الضرع.