«البساطة» هي عنوان جازان الأكبر، وصورة النازحين عن منطقة الحرب يحملون أغراضهم البسيطة ويسوقون ماشيتهم، تملأ مساحة التعبير رمزية ودلالة، وتزداد قناعة الزائر ببساطة أهل جازان، إذا ما استمع إلى أحاديث مجالسهم العامة وكبار السن يتناولون أهم حدث على أجندة اليوم. وعند الحديث عن أحداث «تطهير جبل دخان»، فحتماً ستسمع المثل الجازاني الشعبي «مخمار العداية دُفه وتعال قدايه»، وهو المثل الذي سيضربه أهل جازان على المتمردين الحوثيين، وهم الذين يضربونه عادةً على من تمكن الغباء منه. ولن يعجز قارئ الأمثال الشعبية الجازانية من إيجاد مثلٍ يناسب كل حال، فجازان بتنوعها الجغرافي بحراً وسهلاً وجبلاً أثرت التنوع الثقافي في اللهجات واللباس والعادات وحالة التمدن. وفي داخل المنطقة، مثلاً، ينظر أهل القرى والحواضر الصغيرة إلى الأخت الكبرى «جازان» بصفتها حضريةً ويسكنها القادمون من خارج المنطقة. في ذاكرة جازان، ترتبط الأحداث بالتغيرات، فسكان القرى الموازية للحد السعودي اليمني يذكرون جيداً «ترسيم الحدود» وأثره على حياتهم، وبعد أن تجاور اليمني والسعودي على الحدود المفتوحة، المنزل بالمنزل، وتمازجت أنسابهم، وتعايش الناس ببساطة بعيداً عن تعقيدات بروتوكولات معاهدات الحدود، وجد الناس أنفسهم مضطرين للتعايش مع المفهوم الجديد «الحد». وفي ذاكرة جازان، لن ينسى الناس حدث «حمى الوادي المتصدع» في عام 2000، والالتفاتة الكبيرة إلى حياة الناس وواقعهم، وما تبعها من تغيرات في خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية. ومع الحدثين، دخلت إلى المفردة الجازانية مفردات «المجهولين» - المتسللين عبر الحدود بطريقة غير شرعية-، ومفردة التعريف بالجنسية بين السعودي واليمني، على رغم أن الحركة اليومية بقيت واحدة في سوق التجارة ورعاية الماشية والزراعة وصولاً إلى التهريب. ولا يخفى على أهل جازان أن الحاجة والجهل كانتا عاملين لسنوات طويلة في تنامي التهريب على الحدود وإتباع الأساليب غير النظامية للعيش، يدعم ذلك بقاء كثير من القرى الحدودية - حتى الآن- خارج نطاق تغطية كثير من الخدمات، وعيش أهلها على الكفاف بالزراعة وتربية الماشية، فيما تظهر العلاقة بين الجهل والمعرفة كلما ابتعدت عن المدن والحواضر الجازانية باتجاه القرى والمناطق النائية، «وهو ما يصنفه الجازانيون بالخطر الأكبر على سلامة الحدود وأمن الحد الجنوبي للبلاد». بساطة أهل جازان لم تمنعهم من التميز في التعليم والمشاركة في القطاعات الحكومية والخاصة في الدولة، ومع افتتاح جامعة جازان، تجلى بوضوح في جامعة الملك خالد في أبها كم مثّل الطالب الجازاني من تركيبة طلاب الجامعة وأساتذتها على مدى عقود. وفي القطاع العسكري مثلاً، لا تستغرب إن رأيت كثيراً من أبناء جازان يعيشون على الحدود الشمالية، غير متأففين من بعد المسافة عن الأهل والديار، يدفعهم إلى ذلك الرغبة في الحياة الكريمة، والانتماء الوطني الصادق الذي لا يعرف الفرق بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، ومتخذين لأنفسهم موقع الخدمة دفاعاً عن أرض الوطن، ليتسنى للبقية البحث عما يخدم ذات الوطن اقتصاداً وسياسةً ومجتمعاً، وكما يخدم الجازاني الأراضي السعودية في كل الاتجاهات، يتمنى ابن جازان أن يرى الجميع يعمل في كل القطاعات بنظرة الخير لكل الاتجاهات. على هامش الحدث الأخير، وهو ما سيُضاف إلى الذاكرة الجازانية، تتسرب الحماسة إلى نفوس الصغار للبس البدلة العسكرية وحمل السلاح والدفاع عن حياض الوطن، فيما تمتلئ المستشفيات بالراغبين في التبرع بالدم، وتُفتح أبواب البيوت في جازان لجنود القوات السعودية، لطالبي الراحة والماء والفيء.