هل يمكن الجدران الأمنية العازلة، إن كانت في الضفة الغربية أو في الحدود الفاصلة بين كردستان العراق وإيران، أن تهدىء الروع وتخفف التوتر وتمنع الهجمات المسلحة، أو حتى أن تسهم في تقديم الحلول المناسبة لمشكلات تخفق السياسة في إيجادها؟. سؤال تصح إثارته مع ورود إشارات ميدانية تؤكد أن الحكومة الإيرانية تنهمك منذ أشهر، في تقليد مضخم وبهلواني لممارسات اليمين الإسرائيلي، في بناء جدار أمني عازل على طول حدودها مع إقليم كردستان العراق. ويشار الى أن إيران التي تعاني من مشكلة كردية عويصة تعود جذورها الى الفترة التي سبقت قيام جمهورية مهاباد الكردية بزعامة قاضي محمد عام 1946، تشترك مع الإقليم الكردي العراقي في حدود يفوق طولها600 كيلومتر. وتؤكد تقارير صحافية إيرانية أن الخطط الحكومية جاهزة لبناء شريط أمني طوله 420 كيلومتراً، يتألف في بعض مناطقه من جدران كونكريتية، وفي أخرى من خنادق مائية، وفي مناطق ثالثة من حقول ألغام وحراسات عسكرية وأمنية مشددة. ومعروف أن قوة مقاتلة صغيرة، تابعة لحزب المجتمع المدني الحر الكردستاني الإيراني (بزاك)، لا يتجاوز عدد عناصرها الثلاثمئة مسلح، ينتشرون في قواعد جبلية نائية على حدود الإقليم مع إيران، خصوصاً في جبال قنديل. ومعروف أيضاً أن حزب بزاك يتمتع بعلاقات تحالف قوية مع حزب العمال الكردستاني المناهض للدولة التركية، والذي يتمتع بوجود عسكري قوي في تلك الجبال. وتشدد التقارير الإيرانية على أن الهدف من الجدار، الذي يذكّر، بالطبع مع الفارق، بسور الصين العظيم، هو منع مقاتلي بزاك من التسلل الى داخل أراضي إيران انطلاقاً من قواعد في كردستان العراق. لكن مراقبين سياسيين أكراداً يرون أن الهدف من الجدار، في المقام الأول، ليس الحد من نشاطات بزاك، إنما هو تشديد القبضة العسكرية والأمنية للنظام الإيراني في المناطق الكردية شمال غربي البلاد، مع تزايد الخشية لدى النظام من لجوء واشنطن الى تحريك الورقة الكردية لإضعاف وضعه الداخلي. وثانياً، هناك اعتقاد في طهران بأن إقليم كردستان العراق ليس في حقيقته سوى قاعدة أميركية وإسرائيلية مرشحة للاستخدام في حال قررت واشنطن توجيه أية ضربة عسكرية الى طهران أو الى منشآتها النووية. ويشار الى أن الحكومة الإيرانية انتهت قبل أسابيع من بناء المرحلة الأولى من الجدار المؤلف من كتل كونكريتية بطول أربعة كيلومترات، وذلك شرق قصبة حاجي عمران الكردية العراقية. في الواقع، يصح فهم الهموم الأمنية لإيران، خصوصاً في ظل تفاقم خلافاتها مع الولاياتالمتحدة على خلفية برنامجها النووي المثير للقلق. ويصح أيضاً فهم مخاوفها من تحريك الإثنيات والمذاهب بهدف النيل من استقرارها الداخلي. لكن الأصح من كل هذا أن في داخل أراضيها، وليس خارجها، مشكلة إثنية كردية عجز النظام الحاكم طوال العقود الثلاثة الماضية عن إيجاد حل سياسي وواقعي لها. والأصح أن هذه المشكلة ما فتئت تتفاقم نتيجة القمع العسكري والأمني الذي يستهوي الحكومة الإيرانية التوغل فيه، إضافة الى غياب أجواء من الانفتاح تسمح للأكراد وبقية الإثنيات والهويات المذهبية والسياسية بممارسة حقوقهم في أطر قانونية. في كل الأحوال، تقحم طهران نفسها في خطأ قاتل سبق أن تورطت فيه تركيا لأكثر من ثلاثين عاماً، والعراق لأكثر من خمسة وعشرين عاماً. والخطأ هو تشديدها غير المبرر على أن مشكلاتها مع الأكراد ليست داخلية نابعة من سياساتها القمعية ونظرتها الآيديولوجية الأحادية، إنما هي مشكلات تُضخ اليها من الخارج بفعل مؤامرات (أميركية وبريطانية وكردية عراقية). هذا الاعتقاد الذي يتغذى من تزمت إثني ومذهبي مقرف، هو ما يدفع بها، كما دفع في حينه بالجيش التركي والجيش العراقي السابق، بل كذلك بالجيش الإسرائيلي في مناطق السلطة الفلسطينية، الى منحيين: الأول، اللجوء الأعمى الى سياسات القوة والجدران العازلة والاجتياحات العسكرية وعمليات القصف بالمدافع والطائرات. والثاني، تعليق المشكلات الداخلية على شماعات خارجية. وفي الواقع، لم تسهم هذه الممارسات سوى في اتساع رقعة التوترات الداخلية. غير أن أنقرة التي عاشت طويلاً في كنف الاعتقاد بجدوى الحلول القسرية والشريط الأمني العازل، انتبهت، ولو في وقت متأخر، الى مساوىء لعبتها القائمة على تحميل أكراد العراق مسؤولية تصاعد توتراتها الداخلية وتزايد النشاطات المسلحة لحزب العمال. وانتبهت الى لاواقعية سياستها في ميدان الأمن الحدودي والقطيعة مع حكومة إقليم كردستان العراق. كذلك انتبهت الى أن مشكلتها الكردية، في محصلتها النهائية، وليدة طبيعية لعوامل الداخل وليس الخارج. فهل تتعلم طهران الدرس من أنقرة المنهمكة في التخلي عن خياراتها الأمنية واللجوء الى مبادرة سياسية للانفتاح على الإثنية الكردية في الداخل والخارج، أم أنها تواصل الانعزال ويقتصر جهدها على تعلّم دروس الجدران العازلة من اسرائيل؟.