منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة زخماً إضافياً لتقرير غولدستون الذي يتهم إسرائيل وحركة «حماس» بارتكاب جرائم حرب في غزة، بعد تبنيها بغالبية كبيرة مشروع قرار عربي يمهل الطرفين ثلاثة أشهر لإجراء «تحقيقات ذات صدقية» في الاتهامات التي تضمنها التقرير، ويلوح بإحالة الملف على مجلس الأمن في حال عدم التزام أي منهما. ولم تنجح مساعٍ غربية في التخفيف من لهجة القرار الذي تبنته الجمعية في جلسة مساء أول من أمس، بغالبية 114 صوتاً، وامتناع 44 وغياب 16 ورفض 18 دولة أبرزها إسرائيل والولاياتالمتحدة وألمانيا. وصوتت الصين لمصلحة القرار، فيما امتنعت روسيا التي برَّر مندوبها السفير فيتالي تشوركين هذا الموقف بأن «نقاش التقرير في مجلس الأمن سيُعقِّد فقط خلق ظروف مناسبة لتحقيق تسوية شاملة في الشرق الأوسط». وامتنعت عن التصويت أيضاً بريطانيا وفرنسا والسويد واسبانيا ورومانيا وكوريا الجنوبية واليابان والدنمارك وبلجيكا والنمسا والنروج. وقال المندوب البريطاني فيليب جون بارهم إن بلاده «امتنعت عن التصويت، لأننا لا نستطيع دعم تأييد تقرير غولدستون، لكننا ندعم الجزء العملي من القرار، وهو الدعوة إلى تحقيقات معمقة وذات صدقية». وكما كان متوقعاً، صوتت الولاياتالمتحدة ضد القرار. وقال المندوب الأميركي اليخاندرو وولف إن «المحاولات للضغط على مجلس الأمن، كما يفعل هذا القرار، كي يتناول هذه المسألة (تقرير غولدستون)، ليست بناءة». وحذَّر من أن «عقد مؤتمر للأطراف المتعاقدة السامية في اتفاق جنيف الرابع (كما يوصي القرار) من أجل تسليط الضوء على بلد واحد (إسرائيل) سيتسبب فقط في تزايد الانقسامات، ومن الممكن أن يعيق استئناف مفاوضات الحل النهائي». وإلى جانب الولاياتالمتحدة، صوتت ضد القرار كل من إسرائيل واستراليا وكندا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والمجر وتشيخيا وبولندا وسلوفاكيا ومقدونيا وأوكرانيا وجزر مارشال وميكرونيزيا وناورو وبالاو وبنما، ما أظهر الانقسام في الموقف الأوروبي. ويؤيد القرار تقرير غولدستون، ويطالب الطرفين بالبدء خلال ثلاثة أشهر في إجراء «تحقيقات مستقلة وذات صدقية ومتفقة مع المعايير الدولية في الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان التي ذكرها التقرير... مع الاحتفاظ بإمكان التوجه إلى هيئات أخرى مختصة تابعة للأمم المتحدة، بينها مجلس الأمن». ويوصي بعقد مؤتمر للأطراف الموقعة على اتفاق جنيف الرابع لقوانين الحرب «لاتخاذ تدابير لفرض احترام الاتفاق في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدسالشرقية»، كما يوصي برفع المسألة إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا لم يجر الطرفان التحقيقات في غضون ستة أشهر. واعتبر السفير المصري ماجد عبدالعزيز الذي قدَّمت بلاده مشروع القرار نيابة عن المجموعة العربية ودول عدم الانحياز، أن «ما حدث هو اعتراف من الجمعية العامة بضرورة تطبيق قواعد القانون الدولي وقواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد حقوق الإنسان على الجميع من دون استثناء». ووصف رئيس الجمعية العامة الليبي علي التريكي القرار بأنه «إعلان مهم ضد الإفلات من العقاب ودعوة إلى العدالة»، فيما قال المندوب الفلسطيني السفير رياض منصور: «نعتقد أن هذا نجاح كبير للجمعية العامة، ونحن ممتنون للعرب الذين قدموا مشروع القرار في شكل جماعي، ولعبوا دوراً كبيراً مع كل الأطراف الأخرى في إنجاح هذا الجهد في الجمعية العامة». وأضاف: «هذه الليلة هي البداية العملية لتنفيذ الخطوات العملية المطلوبة في تقرير غولدستون». وقبل التصويت بدقائق، حاول الممثل الإسرائيلي صرف الانتباه عن المسألة الرئيسة قائلاً إنه يريد أن يسمع توضيحاً في شأن النقطة الرابعة من مشروع القرار التي ورد فيها أن الجمعية تحض «الجانب الفلسطيني» على إجراء تحقيقات، ومن هو المعني بالعبارة. وتساءل: «هل هي حماس؟ المنظمة الإرهابية التي تنتهك كل المعايير الدولية وتروج الإرهاب ولا تعترف بوجود إسرائيل وتحاول إخراج المنطقة عن خط عملية السلام؟» وردَّ عليه السفير المصري قائلاً إن «السلطة الفلسطينية أعلنت أنها ستجري تحقيقات مستقلة ذات صدقية وفقاً للمعايير الدولية». وأضاف: «ربما تعتبر إسرائيل حماس منظمة إرهابية، لكنها تُعتبر ممثلاً شرعياً للفلسطينيين تم انتخابه، وحماس أعلنت أيضاً استعدادها للتعاون وإجراء التحقيق ومعاقبة من ارتكبوا جرائم». وأضاف: «نريد أن نسمع من ممثل إسرائيل إذا كان هو يستطيع أن يؤكد اليوم أن إسرائيل مستعدة لإجراء تحقيق مستقل؟». وحاولت إسرائيل مرة أخرى صرف الانتباه بذكر «سفينة الأسلحة» التي ضبطتها قواتها البحرية الثلثاء الماضي، ووجهت مبعوثة إسرائيل لدى الأممالمتحدة غابرييلا شاليف رسالتيين متطابقتين إلى الأمين العام بان كي مون ورئيس مجلس الأمن، تطلب من الأخير اتخاذ «إجراءات مناسبة في ضوء الانتهاكات المستمرة والتحقيق في هذه الشكوى». وهاجمت وزارة الخارجية الإسرائيلية أمس قرار الجمعية العامة في شدة. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن بيان للوزارة أن القرار «بعيد تماماً من الوقائع التي تواجهها إسرائيل على الأرض». وأعربت الوزارة عن ارتياحها «للعدد الكبير من الدول التي صوتت ضد القرار أو امتنعت عن التصويت»، مما يثبت في نظرها أن «القرار لا يتمتع بدعم الغالبية الأخلاقية».