يختتم مهرجان دمشق السينمائي، يوم غد، فعاليات دورته السابعة عشرة بالإعلان عن الأفلام الفائزة في مسابقات المهرجان الثلاث: الأفلام الروائية الطويلة، الأفلام القصيرة، وأفضل فيلم عربي، ويلي ذلك عرض فيلم الختام «مفتون للأبد» وهو آخر إبداعات المخرج الصيني تشين كايغي. حفل المهرجان بتظاهرات عدة موازية، لكن الأنظار تتجه، عادة، إلى المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة التي ضمت عشرين فيلماً. وفي حين صرح هيثم حقي بأنه لم يتلق رداً حول طلبه المشاركة بفيلم «الليل الطويل» الذي أنتجه للمخرج حاتم علي ضمن المهرجان، فإن المشاركة السورية تمثلت في فيلمين هما: «مرة أخرى» وهو باكورة جود سعيد الروائية الطويلة، و«بوابة الجنة» لماهر كدو الذي اعتبره مدير المهرجان محمد الأحمد «هدية السينمائيين السوريين الى القدس» عاصمة للثقافة، وهو يتناول ظروف عائلة فلسطينية تعيش أجواء الانتفاضة الفلسطينية الأولى نهاية ثمانينات القرن الماضي. وغير بعيد من هذا الخطاب السياسي النضالي، كان جمهور المهرجان على موعد مع الفيلم الجزائري «مصطفى بن بولعيد» لأحمد راشدي الذي يسرد نضال أحد ثوار الحركة الوطنية الجزائرية ضد الفرنسيين. وبمعزل عن جودة الفيلم ونيات صنّاعه، يبدو لنا ان الوقت حان للخروج من هذه الشرنقة الضيقة التي تقصّر السينما على التطرق الى قضايا «ميتة» بدلاً من توظيف هذا الفن لطرح مواضيع حارة، كما يفعل المغربي نور الدين الخماري عبر شريطه السينمائي اللافت «كازانيغرا» الذي يتخذ من مدينة الدارالبيضاء مسرحاً لأحداث فيلمه، فتستحيل هذه المدينة في الفيلم نقيضاً لاسمها الجميل. شخصيتان من قاع المجتمع تتحايلان على ظروف الحياة الصعبة وتتطلعان الى تحقيق أحلامهما بطرق مختلفة. وخلال هذا البحث المضني تبرز لغة سينمائية مرهفة تنجح في سرد مفردات الأمل، والعلاقة بالمكان والرغبة العارمة في الانعتاق... وبحسب بعض النقاد، فإن «كازانيغرا» الأوفر حظاً في نيل جائزة أفضل فيلم عربي. أما التونسي الفاضل الجزيري فيروي عبر فيلمه «ثلاثون» صفحات من سيرة المصلح التونسي الطاهر الحداد. المشاركة المصرية تمثلت في فيلمين هما «واحد - صفر» لكاملة أبو ذكري التي تمتحن شخصياتها، وتضعها في مواجهة ظروف صعبة وطارئة، وبعد التأزم تنفرج أسارير الشخصيات التي تتصالح مع ذاتها وتنسى همومها لمجرد أن الفريق المصري قد فاز بنتيجة (واحد - صفر) ضمن مباريات كأس الأمم الأفريقية في تلك الليلة المشهودة التي تشابكت فيها مصائر شخصيات الفيلم. والثاني هو «المسافر» لأحمد ماهر الذي يختار ثلاث محطات رئيسة في حياة ساعي بريد، وهي محطات رئيسة لا في سيرة الشخصية فقط بل في تاريخ المنطقة بأسرها، إذ تبدأ من النكبة وتمر بحرب تشرين الأول (أكتوبر) وتنتهي مع أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. هموم المرأة من إيران، جاء فيلم «عشرون» لعبد الرضا كاهاني الذي لا يخرج عن الفضاء العام للسينما الإيرانية التي باتت تحتل مكانة مرموقة في المحافل الدولية بإمكانات إنتاجية بسيطة، وبرؤى سينمائية مفرطة في شاعريتها. وتدور أحداث الفيلم في مطعم يعتزم صاحبه إغلاقه بسبب سوء الحال، ويعطي عماله مهلة عشرين يوماً كي يجدوا عملاً آخر. وهذا الفيلم الذي فاز بجوائز عدة، يرصد، كذلك، جوانب من حياة المجتمع الإيراني، والغبن الذي يطاول المرأة الإيرانية. وقد لا تختلف الحال كثيراً بالنسبة الى المرأة الكازاخية التي يجسد أحوالها فيلم «الراقصة المحلية» للمخرجة الكازاخية كولشات اماروفا التي تروي في فيلمها، ذي الإنتاج المشترك (كازاخستان، روسيا، فرنسا، ألمانيا)، محنة سيدة مسنّة تتمتع بمواهب خارقة، إذ تستطيع شفاء المرضى والتنبؤ بالمستقبل ومساعدة الآخرين على استرداد مفقوداتهم، لكنها تتعرض لسلسلة من المآزق تعكر صفو حياتها الهادئة في قرية كازاخية وديعة. ويبدو أن صنوف القهر التي تعيشها المرأة لا تقتصر على الشرق، فها هو فيلم «كاتالين فارغا» للبريطاني بيتر ستريكلاند يستلهم الحكاية من رومانيا، عبر سرد تراجيديا المرأة التي يحمل الفيلم اسمها، إذ تُطرد بعدما يكتشف زوجها فضيحة في ماضيها، والحال أنها كانت ضحية لاغتصاب مقيت، فدفعت الثمن مرتين من دون أن يكون لها ذنب في ما يحصل لها. أما الفيلم الإسباني المتميز «زهور عبّاد الشمس العمياء» للمخرج خوسيه لويس كيوردا، فيروي، بدوره، الظروف القاسية التي تعيشها بطلة الفيلم ايلينا، وعلاقتها المضطربة مع ابنها وابنتها وزوجها اللامبالي. الفيلم الياباني «أخيل والسلحفاة» لتاكيشي كيتانو ينطوي على حكاية محببة عن فنان تشكيلي واجهته ظروف قاهرة، فيسعى جاهداً إلى رسم لوحات بغرض بيعها فحسب، بمعزل عن موهبته وأحلامه، وهنا يجد المخرج ذريعة للسخرية من الفن والفنانين، بينما يستعيد الفيلم التشيكي «طبرق» لفاكلاف مارهول جانباً من أجواء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في مدينة طبرق شمال أفريقيا، على أن الفيلم ليس فيلماً حربياً بالمعنى التقليدي للكلمة، بل يركز على النواحي الجمالية البصرية. ويكشف الفيلم الإيطالي «انتصار» لماركو بيلوتشيو عن صفحات خفية في حياة الزعيم الفاشي موسوليني. ومن فرنسا يأتي فيلم «جدار في وجه الأطلسي» للمخرج الكمبودي ريثي بانه الذي يتكئ فيلمه على وقائع رواية للكاتبة الفرنسية مارغريت دورا، إذ تتنقل الكاميرا في مناطق الهند الصينية لتبرز الفوارق الطبقية الصارخة بين السكان المحليين الغارقين في البؤس، وطبقة الأثرياء الفرنسيين الذين استوطنوا تلك المناطق إبان المرحلة الاستعمارية. أما الفيلم الروسي «العنبر الرقم 6» للمخرج كارين سخنازاروف، فهو مستوحى من رائعة تشيخوف التي تحمل الاسم ذاته، لكن المخرج هنا يتصرف بهذه الحكاية المعروفة إذ ينقل الأحداث إلى الزمن الحاضر، معتمداً لغة الفيلم التسجيلي في معظم مشاهد الفيلم الذي صور في مستشفى حقيقي للأمراض العقلية تقع في دير قديم في أطراف موسكو. بيان بالمقاطعة ولئن كان المشهد تقليدياً في بهو فندق الشام حيث إقامة ضيوف المهرجان ونجومه، فإن اللافت هو إصدار عدد من السينمائيين السوريين، وعلى رأسهم محمد ملص وعمر اميرلاي ونبيل المالح، بياناً دعوا فيه إلى مقاطعة المهرجان، وانتقدوا بشدة إدارة المهرجان وطريقتها في تنظيم هذا النشاط السينمائي. وقال الموقعون على البيان: «إن أرواحنا وعقولنا عافت هذا الدجل السينمائي الذي تقيمه الإدارة الحالية لمؤسسة السينما في سورية لتغطية العجز والخراب السينمائي اللذين لحقا بالحال السينمائية في البلاد». واعتبر البيان أن «المهرجان يغطي أيضاً غياب أي إرادة عمل فعلية لدى وزارة الثقافة لوضع سياسة سينمائية صحيحة تنتصر للسينما ولمشروعها الثقافي». ووصف البيان المهرجان ب «الضجيج الخاوي الذي يعلو صخبه كلما غارت الحال السينمائية في المزيد من الخراب، وكلما علا منسوب العجز والفساد والفردية والإقصاء وغياب الموهبة والعقل في زوايا هذه الإدارة للسينما في بلادنا». ودعا البيان وفقاً لهذا التوصيف إلى «كشف وإدانة ومقاطعة» ما سموه ب «الاستعراض الهازل»، وفي حين لم يتجاوز عدد الموقّعين على البيان عدد أصابع اليدين، بينهم من لا علاقة له بالسينما، فإنه يخشى أن يتحول هذا المهرجان إلى مناسبة لتصفية حسابات شخصية، وخصومات فردية لا علاقة لها بالحرص على هذا المهرجان الذي يوفر لعشاق الفن السابع عناوين مهمة لا تتسنى لهم مشاهدتها خارج أيام المهرجان.