في الصحافة الورقية، اليومية والأسبوعية، قدّم الصحافيون المصريون إسهامات مشرقة وحيوية ومؤثّرة في المجالات التي تتعلّق بحياة مواطنيهم، ومستوى أداء مؤسساتهم، والاختلالات التي تعاني منها. تلك التحقيقات التي قرأناها في الصحافة الورقية نشاهدها اليوم على القنوات الفضائية المصرية الرّسمية والخاصّة، مع ملاحظة تفوق التحقيق المصوّر، خصوصاً المباشر، وقدرته على جذب اهتمام المشاهدين، ومعهم اهتمام أصحاب العلاقة بالقضية المثارة. التحقيقات حول مشاكل الحياة اليومية نراها متفوّقة في الشاشات المصرية، ولعلّ ذلك يعود – في جانب منه – إلى واقعية لا تغرق في التعميم بمقدار اهتمامها في صورة مباشرة بالتفاصيل والجزئيات. من يتابع القنوات المصريّة يجد أن هذا التميّز يأتي أيضاً من «مصريّة» تلك الفضائيات، ونعني بالمصرية هنا توجّهها للجمهور المصري بالدرجة الأولى، على العكس تماماً من غالبية القنوات الفضائية العربية التي تجد «مجالها الحيوي» في العلاقة مع جمهور عربي عريض ويمتد على مساحة البلدان العربية وبلدان الشتات. وهو الحال ذاته الذي ميّز الصحافة الورقية المصريّة في هذا المجال إذ صبّت اهتمامها على الداخل المصري فيما توجّهت الصحافة العربية الأخرى وبالذّات اللبنانية نحو جمهور عربي. لا ننحاز هنا إلى هذا التوجّه أو ذاك، فنحن نعرف أن البث الفضائي يعني خروجاً طبيعياً من حيّز ضيّق وقضايا محدودة التأثير إلى فضاء لا محدود، لكننا مع ذلك نعتقد أن هذه المسألة بالذات تستحق رؤى إعلامية جديدة، مختلفة، وقادرة على مواكبة حيوية لا تبتعد عن الخصوصيات القطرية، ولكن بمعالجات أكثر جدّة. هنا يمكن للقنوات الفضائية أن تدخل حياة المواطنين العرب من بوابات تفاصيلها التي تتعلّق بيومهم وما فيه من إشكالات، وتبقى على رغم ذلك مفيدة وقادرة على استقطاب اهتماماتهم جميعاً، فالمشاكل العربية هي في الغالب واحدة ومتشابهة. نعرف أن هذا اللّون من المعالجات الإعلامية بالغ الدقّة على الفضائيات المفتوحة والتي لا يمكن احتجازها في جغرافيا معينة، لكننا نعرف أيضاً أهمية البث الفضائي، وحاجته للتواصل مع مشاهديه في مختلف أماكن تواجدهم. هي معادلة صعبة بالتأكيد، لكنها أيضاً ضرورة لا بد منها.