أبرز المحامي السعودي ريان بن عبدالرحمن مفتي حقوق المرأة المالية والجنائية على زوجها، في معرض حديثه إلى جمع من المهتمين في جدة أخيراً، في سياق الجهود الاجتماعية المكثفة لتصحيح الكثير من الإشكالات الناشئة عن العادات والتقاليد في المجتمع. وبين مفتي أن أول حقوق المرأة على زوجها المهر، ثم النفقة، التي قال إنها تشمل «الطعام والكسوة والسكن والخادم» بحسب استطاعة الزوج. في مقابل ذلك نفى أي حق مالي للرجل على زوجته حتى وإن بلغ بها الغنى أفحش المراتب، وبلغ الفقر بالرجل أدنى الدرجات. وعندما جاء على تفصيل بعض المخالفات الشائعة في «المهر» نبه مفتي إلى أن «المهر حق خالص للمرأة لا يصح المساومة عليه لا من الزوج ولا من الأب ولا من الإخوة، وحرمان الزوجة على هذا النحو يعد من أكل أموال الناس بالباطل وهو من جملة السحت الحرام، يقول النبي (ص): «أيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر وليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها فمات ولم يؤدِّ إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زانٍ» (رواة الطبراني). مثال ذلك (احتيال الزوج في أخذ واسترجاع المهر بعد الدخول، وكتابة شيك من دون رصيد للمهر)، كما يحدث في كثير من الأحيان». ومن المفاهيم التي اعتبرها مفتي منافية للشرع إلزام العادات للمرأة بتجهيز نفسها وتأثيث دارها من مهرها، وهذا ليس صحيحاً في نظره، «فلا يجب على المرأة أن تجهز نفسها بالمهر، أو بيت الزوجية من مهرها، لأن المهر بلا عوض، ولأنها تستحق المهر في مقابل تمكينه من الاستمتاع بها بدليل حقها في الإمتناع عن النقلة إلى بيت الزوجية ما لم يوفّها ما اتُفق عليه أو تُعورف على تعجيله منه. وعليه لا يحق للزوج أن يطالبها بأثاث في مقابل ما قدمه لها من مهر، لأن تجهيز البيت بالأثاث، وتزويده بكل حاجاته ومستلزماته هو من واجباته ومسؤولياته». وفي مسألة النفقة فصّل القول فيها بأن الله - عز وجل - « منح الرجل حق القوامة معللاً بنفقته على الزوجة في قول الله تعالى: «الرجال قومون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، فنلاحظ في الآية أن القوامة مرتبطة بالإنفاق. وأوضح ذلك القرطبي عند تفسيره لهذه الآية أن من عجز عن نفقة المرأة لم يكن قواماً عليها كان لها، أي المرأة، فسخ العقد لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح». وأضاف: «لذلك إذا تقاعس الرجل عن واجباته في الإنفاق المالي قد تنتفي معه القوامة، فقوامة الرجل على المرأة ليست مطلقة من حيث المبدأ ولا من حيث النص القرآني، ونطاقها محصور في مصلحة الأسرة، فهي قيادة ومسؤولية يتولاها الرجل ليدفع عن المرأة كلفة العيش، وهي تؤدي واجباتها الزوجية، فهي رعاية إنفاق لا استبداد وهي تكليف لا تشريف». في جانب حق المرأة في مالها والتصرف فيه من دون إذن الزوج، اعتبر ريان ذلك أمراً مجمعاً عليه وليس للزوج أي علاقة بمال زوجته إلا بإذنها أو ما تمنحه منه عن طيب نفس. كما اعتبر من حق المرأة شرعاً أن تشترط في عقد الزواج على من يتزوجها «العمل» خارج بيتها، من دون عوض. وإذا أخل الزوج بالشرط كان لها الحق في إلزامه به أو طلب الطلاق. لكنه أقر بأنه من حق الزوج أن يمنع زوجته من العمل إذا كان يضر به وبأسرته، غير أنه لا يجوز له ذلك بقصد الإضرار بها، أو لأنها لا تمنحه جزءاً من مالها. ونقل في هذا الصدد توصيات مجمع الفقه الدولي بشأن تنظيم الحقوق المالية بين الزوجين، وجاء أهمها في التوصية «بإجراء دراسات اجتماعية واقتصادية وطبية لآثار عمل الزوجة خارج البيت في الأسرة وفي الزوجة نفسها لما لهذه الدراسات من أثر في تجلية حقائق الموضوع، وتكون عينات الدراسة من مجتمعات مختلفة. يؤكد المجمع وجوب غرس مفهوم التكامل بين الزوجين وحرص الإسلام على أن تكون العلاقة بينهما قائمة على المودة والرحمة». مفتي وقف في محاضرته التوعوية عند حق الزوج في تأديب الزوجة، واضعاً لذلك الحق شروطاً وضوابط، وكاشفاً متى يحق للمرأة أن تقاضي زوجها المؤدِّب وإن زعم أن له الحق في ذلك. وفصّل ذلك في خطوات أهمها أن «الزوج لا يلجأ إلى تأديب الزوجة بالضرب عند وقوعها في المعصية للمرة الأولى، بل عند تكررها وإصرار الزوجة عليها. الإسلام لم يحدد الضرب وسيلة وحيدة للتأديب، وإنما هو أحد وسائله بل وآخرها وبعد فشل الإصلاح بالوسائل السلمية من وعظ وهجر. إن الإسلام حين أقر الضرب أسلوباً لإصلاح المرأة لم يقصد منه الإيذاء الحسي، والإيلام البدني بل شرعه أسلوباً من أساليب الإصلاح والتربية. إن الإسلام لم يجعل ضرب الزوجة بالأمر الواجب في إصلاحها، بل هو أمر مباح دعت إليه الضرورة. إن الرجل إذا أدب زوجته بالضرب، فتجاوز حدود الضرب المشروع كان مسؤولاً جنائياً ومدنياً عن ذلك كما فصل العلماء ذلك». أما كيف تثبت المرأة حقها الجنائي على زوجها فذلك يكون بحسب مفتي عبر «اعتراف الزوج بالضرب المبرح على زوجته والتسبب لها بإصابات وجروح أو كدمات، أو شهادة الشهود (وهذه تصعب وجودها بسبب حدوث حالات العنف غالباً في بيت الزوجية أو بين المحارم) مثال حال ضرب الزوجين في سيارة بإشارة المرور. أو عبر تقرير طبي من مستشفى حكومي يتضمن حال المصابة ومدة الشفاء». وأوضح أن الحقوق الجنائية بين الزوجين تخفف وتغلظ وفقاً للاعتبارات الميدانية، فعوامل تشديد العقوبة تكون ب «سبب الاعتداء (ففي حال عدم وجود السبب زادة العقوبة). مكان الاعتداء (في خلاء وعدم وجود احد). توافر القصد الجنائي أو سبق الإصرار. استخدام أدوات ممنوعة في التأديب (مثل العصا أو سوط)». وعوامل تخفيف العقوبة هي «استفزاز الزوجة له بالسب والشتم والقذف. قيام الزوجة بعمل محرم (مثل وجود شخص غريب في المنزل).