لعل الكثير منكم يعرف حكمة العجوز الأميركي، التي قالها لرجل أعمال متوسط العمر في جلسة شاي أثناء إحدى رحلاته، وخلاصتها أن الرجل يمرّ في حياته بثلاث مراحل، ويحتاج أن يملك ثلاثة أشياء. ففي الشباب يكون لديك الوقت لقلة انشغالك، ولديك النشاط والقوة لتستمتع، ولكن ليس لديك المال الكافي، لترفّه عن نفسك بعيش رغيد. ثم إنك تنتقل إلى مرحلة الرجولة، فتزاول العمل والتجارة، وتبدأ بجمع المال، لتؤمن مستقبلاً أفضل لك ولأسرتك، حينها يكون لديك المال، ولديك النشاط والقوة، ولكن ليس لديك الوقت لتستمتع وترفّه عن نفسك وأسرتك، وتجد أنك تضحي بأشياء كثيرة، من أجل ضمان المستقبل. وفي المرحلة الثالثة حين تكبر سنك، تكون جمعت المال الذي تريد، ولديك الوقت لتستمتع به، وتحقق ما كنت تحلم به، ولكن ستجد أنك فقدت الصحة والنشاط اللذين كنت تتمتع بهما أيام الشباب، فلم يعد لديك الجهد للسفر، ولا تجد المتعة نفسها في شراء سيارة فخمة أو منزل كبير! وتبحث عن أبنائك وبناتك، لتستمتع معهم برحلات وجلسات وزيارات، فتجدهم كبروا ولم يعد يهمهم أن يشاركوك في مثل هذه الأنشطة، فقد صار لكل منهم اهتماماته وعالمه! بل وقد لا تجد زملاء تلتقي بهم، لأنك قطعتهم حين انشغلت بأعمالك. واستنتاج العجوز من تجربته في الحياة، أن قليلاً من المال وأنت في شبابك، تستمتع به مع أبنائك وزوجك وتقنع بما لديك، خير لك من مئات الآلاف بل والملايين حينما تكون كهلاً. والقصة مشهورة، وفيها تفاصيل كثيرة لمن اطلع عليها، ولكن الخلاصة فيها قولان، بل أقوال عدة، وشخصياً أعتقد أن العجوز رجل أعمال بدأت طاقته في النفاد، فحاول إقناع منافس محتمل بالزهد في الدنيا، وعدم مزاحمته على الأرباح. وبالنسة لإيجاد الوقت لتستمتع، فاعلم يا رعاك الله أنك لن تجده، سواء «ادهرت في البيزنس» أو «تنبلت»، لأنه أصلاً سيضيع على طرقات المدن التي يبدو أنها تختنق أكثر عاماً بعد عام، أو سيضيع على مشاوريك للبلدية وأنت تراجع، أو في أحد المستشفيات تحاول أن يقوموا بالكشف على ابنك أو قريبك المشتبه بإصابته بأنفلونزا الفوازير، أو حتى بين مكاتب العقار تبحث عن شقة للإيجار، صاحبها ليس متعصباً ضد المستأجرين السعوديين لمصلحة «الحمران العطران». وعليه فإنني أنصحك بإهمال حكمة العجوز أعلاه، ومنافسته وأمثاله على أرزاق الله في الأرض، لأن مفهوم الاستمتاع أصلاً غير وارد في القاموس المحلي، ففكرة مشاهدة مسرحية «مسلا مسلا» قد تتحوّل إلى معركة بين فئتين، أنت لا تنتمي لأي منهما، لكن وقتك سيضيع محاولاً الفكاك منهما، أما فكرة مشاهدة فيلم سينمائي «فبرييييه منك ومنها». [email protected]