لو حاولنا أن نحدد مواصفات الدراما التلفزيونية اللبنانية فما تراها تكون؟ سألني صديقي ممازحاً أو شبه ممازح، وفي يقينه أنني لن أجيب عن سؤاله، لأن هذه الدراما في نظره لا تملك مواصفات تميزها عن سواها. إلا أنني أصررت على الاجابة عن سؤاله، ولكن بجدية، وقلت له: مَن قال إن الدراما اللبنانية تفتقر الى مواصفات تمنحها هويتها الخاصة؟ يكفيك أولاً أن تستعرض أسماء العَلَم، في أي مسلسل لتدرك أن الدراما اللبنانية ترفض خوض ميدان الطائفية، حفاظاً على وحدة لبنان، شعباً وطوائف. فالأسماء التي تختارها المسلسلات لا تدل على أي انتماء ديني أو طائفي، وكأن ليس في لبنان سوى أسماء «علمانية»، بل كأن ليس في لبنان أسماء مثل: محمد وحسن وجورج وانطوان وعلي... أو فاطمة وخديجة وزينب وجوزفين وجورجيت وانطوانيت... لا يحبّذ كتّاب الدراما ومخرجوها أن يطلقوا على الشخصيات أسماء حقيقية وواقعية، وفي حسبانهم أن مثل هذه الأسماء قد تكون حافزاً على اثارة النعرة الطائفية. وقد فات هؤلاء أن هذه الأسماء ليست إلا رموزاً تمثل المجتمع اللبناني المتعدد، وأنّ تغييبها هو تغييب للمجتمع نفسه ولحقيقة هذا المجتمع وتاريخه. هل يمكن أن تقوم دراما تلفزيونية تتجاهل الواقع وتزوّره وتبتعد عن جوهره؟ إنها الحماسة الوطنية تتحكم ب «صانعي» الدراما كتّاباً ومخرجين ومنتجين وممثلين. أما ثانياً فيمكن ملاحظة «الجنريك» في الدراما اللبنانية وطريقة ايراد أسماء الممثلين، وهذه الطريقة الفريدة تتميز بها هذه الدراما. يُكتب أولاً في «الجنريك»: الممثل فلان والممثلة فلانة في مسلسل «فلان ابن فلان»، ثم يُكتب: بطولة فلان وفلانة وفلان وفلانة. ثم يُكتب: تمثيل: فلان وفلانة وفلان وفلانة... ثم: اطلالة خاصة: فلان وفلانة، ثم ضيف شرف: فلان وفلانة... وفي الختام ترد أسماء صغار الممثلين... إنها لطريقة «فريدة» حقاً اخترعتها الدراما اللبنانية وسجلتها باسمها. يحار المشاهد عندما يقرأ الأسماء موزعة بحسب هذا الترتيب المضحك الذي «يفرّق» بين الممثلين، تفريقاً «طبقياً» و «نجومياً»، علماً أن الممثلين القديرين معروفون جداً والجمهور يحفظ أسماءهم غيباً. أما ثالثاً وأخيراً فهو «الاعلان» التحذيري الذي يرد دوماً في ختام المسلسل الدرامي التلفزيوني وينص على أن حقوق توزيع هذا المسلسل في العالم وحقوق ترجمته محفوظة للشركة فلانة بنت فلان... وهنا تبلغ «مواصفات» الدراما اللبنانية ذروتها، ادعاء وعنجهية وتخريفاً... ولو أمكن المنتجين أن يتوجهوا الى التلفزيونات العالمية لقالوا لها: حذارِ أن تسرقي مسلسلاتنا أو تقترضيها... وإلا فالمحاكم بيننا. إنه الخوف فعلاً على هذه الدراما من قراصنة «السوق» العالمي. فالدراما اللبنانية استطاعت أن تغزو العالم وأن تنتشر في لغات عالمية. ظن صديقي في البداية أنني أمازحه عندما رحت استخلص مواصفات الدراما اللبنانية، لكنه عندما سمع ما أسررت به اليه، راح يضحك ويضحك. ولعله بات، كلما شاهد حلقة من مسلسل لبناني، تأخذه نوبة الضحك نفسه، فيضحك ويضحك.