وسط إجراءات أمنية استثنائية شارك فيها نحو 200 شرطي ورجل أمن وحضور إعلامي مكثف، بدأت في دريسدن صباح أمس محاكمة الألماني من أصل روسي ألكس ف. قاتل المصرية المحجبة مروة الشربيني، في مبنى المحكمة، حيث وقعت الجريمة البشعة التي أثار تعامل السلطات الألمانية معها انتقادات في العالم الإسلامي. وجاءت هذه الإجراءات «نتيجة مباشرة» لبث تسجيل مصور على الإنترنت لإمام مصري يدعو إلى قتل المتهم، بحسب تصريحات مصادر أمنية نقلها موقع «شبيغل أونلاين». وإضافة إلى أعمال التفتيش الدقيقة، نشرت السلطات ليل أول من أمس عناصر أمنية وقناصين على أسطح البنايات المجاورة للمحكمة، كما ركَّب عمال خلال الأيام الماضية عازلاً زجاجياً سميكاً في القاعة لفصل الحضور عن المتهم والقضاة. وكان القاتل (29 عاماً) قتل الصيدلانية المصرية التي كانت حاملاً في شهرها الثالث وقت وقوع الجريمة في قاعة المحكمة التي قضت بتغريمه في دعوى سب وقذف حركتها ضده الشربيني (31 عاماً)، بعدما أهانها بكلمات بذيئة وعنصرية واتهمها بأنها «إرهابية ساقطة» لارتدائها الحجاب، حين طلبت منه إخلاء أرجوحة لطفلها كان يجلس عليها في حديقة للأطفال. وأثار تأخر إدانة برلين الحادث الذي تعاملت معه الصحف الألمانية في البداية باعتباره خبراً عادياً استياء في دول عربية وإسلامية. واضطر عشرات الصحافيين أمس إلى الانتظار خارج قاعة المحكمة التي لا تؤمن أكثر من 44 مقعداً لوسائل الإعلام. وحضر الجلسة ثمانية محامين مصريين وألمان وفرنسيين يمثلون عائلة الضحية، إضافة إلى زوجها وشقيقها وبعض أقاربها والسفير المصري في برلين رمزي عز الدين رمزي الذي أعرب عن ثقته في القضاء الألماني. وبسبب التفتيش الدقيق الذي خضع له كل من دخل قاعة المحكمة تأخر الإعلان عن بدء الجلسة أكثر من ساعة. ولوحظ أن القاتل الذي جُلب في سيارة مصفحة مكبلاً من يديه ورجليه سعى قبل وصوله إلى إخفاء وجهه بنظارة وإلى تغطية رأسه، كما جلس وظهره إلى الحضور. ورفض الرد على أسئلة رئيسة المحكمة القاضية بيرغيت فيغاند، ورفض طلبها نزع النظارة، ما دفعها إلى تغريمه 50 يورو لعدم احترامه إرادتها. وبعد بدء الجلسة وتقديم المدعي العام مرافعته موجهاً إلى المتهم تهمة قتل الضحية مع محاولة قتل زوجها «بدافع من كراهية عميقة للأجانب والمسلمين»، سارع محامي الدفاع ميشائيل شتروم إلى تقديم اعتراض على هيئة المحكمة، متهما القاضية ومساعديها بالتحيّز ضد موكله، فرفعت رئيسة المحكمة الجلسة وأحالت الاعتراض على غرفة تمييز للبت فيه. وسارعت الأخيرة إلى الاجتماع وقررت رفضه بالإجماع. وعلى اثر ذلك، أعلن محامي المتهم أن موكله قرر عدم الرد حالياً على الأسئلة المتعلقة بشخصه وبالتهم الموجهة إليه. واستمعت المحكمة بعد الظهر إلى زوج الضحية علوي علي عكاظ الذي جاء على عكازين نتيجة الجروح التي أصيب بها خلال الاعتداء. وقال إنه وزوجته كانا يخططان للعودة إلى مصر نهاية العام الجاري بعدما أمضيا بضع سنوات في المانيا درس خلالها للحصول على درجة الدكتوراة في الدراسات الجينية من «معهد ماكس بلانك للأبحاث العلمية». وأضاف عكاظ الذي تلقى 16 طعنة في الاعتداء قبل أن يطلق عليه شرطي في المحكمة الرصاص، أنه وزوجته وطفلهما الذي يبلغ عمره ثلاث سنوات، كانوا يهمون بالخروج من قاعة المحكمة وإذا بالقاتل يهاجمهما ويضرب زوجته التي وقعت على الأرض من دون أن يرى أنه يحمل سكيناً. وعندما حاول وقفه، تلقى الطعنات، ثم أطلق عليه شرطي الرصاص في ساقه، بعدما ظن خطأ أنه المعتدي، ليفقد وعيه بعدها. وحضت مفوضة الاندماج في ألمانيا ماريا بومر التي حضرت الجلسة الجميع «على مواكبة المحاكمة بهدوء وتفكير»، منددة بالجريمة البشعة التي أشاعت استياء عارماً. وقال رئيس «المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا» أكسل كولر الذي حضر الجلسة: «ننظر إلى هذه المحاكمة بتوقعات كبيرة لأن نساءنا وبناتنا في الواقع خائفات. إنهن يتعرضن بالفعل إلى التمييز والازدراء علناً». وأضاف أن «هذه المحاكمة تحظى باهتمام هائل في العالم الإسلامي... والأمر يعود إلينا نحن الألمان في الدفاع عن سمعتنا». وقال محامي المتهم ل «شبيغل أونلاين» إنه يخشى «عدم حصول محاكمة عادلة بسبب الضجة الإعلامية الكبيرة الحاصلة، والترقب الموجود في الدول الإسلامية، والتدابير الأمنية الضخمة المتخذة»، معتبراً ذلك بمثابة «سمّ للمحاكمة». وأضاف: «سنرى ما إذا كانت هيئة المحكمة قادرة على العمل من دون ضغط». ورفع زوج المغدورة دعوى ضد الرئيس الأعلى للمحكمة وأخرى ضد رئيس هيئة القضاة، كونهما لم يتخذا التدابير الأمنية اللازمة خلال المحاكمة التي قتلت فيها زوجته وأصيب هو فيها بجروح بالغة، بعدما نجح القاتل في إدخال سكين يبلغ طول نصلها 18 سنتيمتراً.