خضعت زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير للبنان أمس لتقلبات المزاج السياسي اللبناني بين التشاؤم من عراقيل تأليف الحكومة من جهة والميل الى التفاؤل بقرب التأليف على رغم بعض التصعيد الذي صدر عن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الأربعاء الماضي. اذ بدأ الوزير الفرنسي لقاءاته صباحاً في ظل تشاؤم أخذ يتدرج نحو تفضيل التفاؤل وفق مصادر فرنسية مطلعة، ليميل الى توقع اقتراب ظهور الحكومة العتيدة، لا سيما بعد لقائه الرئيس المكلف سعد الحريري بعد الظهر. ومع أن الوفد الفرنسي الذي رافق كوشنير انتهى الى مسحة التفاؤل هذه فإنه بقي حذراً «لأن الأوضاع في لبنان تخضع على الدوام الى تقلبات مفاجئة». لكن الوفد، بحسب قول مصدر فرنسي مطلع خرج بانطباع ان الحريري «أخذ يتلبّس شخصية ودور رئيس الحكومة ورجل السياسة الذي يتمتع بصبر أكبر ورؤية أوسع، وأن إنجاز الحكومة ممكن حتى لو عبّر أطراف في قوى 14 آذار عن تشاؤمهم، فموازين القوى لن تتغير في شكل جوهري داخل الحكومة». وتوقعت مصادر في المعارضة وفي الأكثرية أن ترى الحكومة النور خلال أيام لأن الاتصالات في هذا الشأن ستتسارع في الساعات المقبلة، فإن مصادر الفريقين أكدت أن الاتصالات لم تنقطع خلال اليومين الماضيين بين الحريري وعون وأنها نجحت في استيعاب الأجواء التي نجمت عما طرحه الجنرال وحصرها بحيث أنها لن تؤثر في ترتيب لقاء بات قريباً جداً بينهما لاستكمال البحث في بدائل عدم إسناد حقيبة الاتصالات لتكتله، وهو الأمر الذي كان مدار بحث بينهما قبل التصعيد الأخير. وقالت إن معالجة مطلب عون الحصول على بدائل مقبولة منه لحجب حقيبة الاتصالات عنه هي المفتاح وليس أي تعقيد خارجي كما أوحى البعض، مشيرين الى أن دمشق مارست ضغطاً فعلياً من أجل تأليف الحكومة فضلاً عن تبلّغ أوساط في الأكثرية معلومات في هذا الصدد. وفي هذا السياق قال مصدر فرنسي ان كوشنير تبلغ من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ومن الحريري أنهما يتوقعان تجاوز الخلاف مع عون، وان الرئيس المكلف أبدى إيجابية تجاه الحوار بين فرنسا وسورية، وأنه شجع باريس على مواصلة الحوار معها وعلى مواصلة التأكيد أيضاً أن لبنان دولة مستقلة ذات سيادة. واضاف ان الجانب الفرنسي خرج بانطباع بأن «لا مشكلة لدى الحريري في زيارة دمشق بعد تأليفه الحكومة الجديدة، وأن لا عرقلة من جانب سورية لعملية تأليف الحكومة وأن ليس هناك من بُعد سوري لموقف عون الإعتراضي ومطالبه». وجاء هذا الانطباع بعد أن كان كوشنير قال صباحاً إن «الأسباب التي تحول دون تشكيل الحكومة ليست داخلية فقط بل هناك أسباب خارجية أيضاً»، داعياً الدول الخارجية الى أن تؤثر بقدر ما تستطيع وأن تلتزم وعودها». كما أن المصدر الفرنسي خرج بانطباع بعد لقائه الحريري بأن «القمة السعودية – السورية كانت ايجابية ومفيدة للبنان». وأعلن عون أمس أن لقاء قريباً سيعقد بينه وبين الحريري لم يحدد موعده بعد. وأكد أنه لن يحصل خرق في المعارضة كما يقول كثر. وأوضح أنه لن يتنازل عن وزارة الاتصالات إذا لم يعرف سبب عدم إعطائه إياها. وفيما أشارت مصادر مطلعة الى أن الرئيس سليمان شارك بعيداً من الأضواء في اتصالات من أجل تسريع التواصل لإنجاز الحكومة، لاحظت المصادر الفرنسية أن كل الفرقاء يحرصون على التصرف بليونة أكثر حيال التأليف وأن اعتراض عون لا يمكن وصفه بأنه تشدد قوي. وكان كوشنير التقى، الى سليمان والحريري، رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، ومسؤول العلاقات الخارجية في «حزب الله» عمار الموسوي، مختتماً اجتماعاته مع العماد عون في مقر السفير الفرنسي مساء بعد أن كان التقى صباحاً رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط، ثم تناول الفطور مع الرئيس السابق أمين الجميل والنائبين مروان حمادة وأحمد فتفت ووزير العدل إبراهيم نجار. وحرص كوشنير على سؤال من التقاهم عما يمكن لفرنسا أن تقدمه من أجل المساعدة على تسريع تأليف الحكومة، وعن أسباب تأخيرها وإذا كانت محلية تتعلق فقط بمطالب عون أم أنها سورية وإيرانية، ملاحظاً أن دمشق قد لا تكون لها مصلحة في عرقلة إنجازها. وميّز بين سورية وإيران في هذا الصدد. ونقلت مصادر لبنانية عن كوشنير قوله: «مع ان حضوري الى لبنان يتعلق بمناسبة ثقافية، فإن ذلك لا يقلل من اهتمامنا بالوضع السائد فيه. وتقديم كل دعم لتسهيل تشكيل الحكومة الجديدة». وعلمت «الحياة» أن الوزير نجار عرض لكوشنير، في سياق الحديث عن العقبة التي تشكلها وزارة الاتصالات في عملية التأليف، لمحة عن تجربته مع تولي الوزير جبران باسيل لها في الحكومة الحالية، وأشار الى «عدم استجابة باسيل السريعة لطلب الأجهزة الأمنية الحصول من الوزارة على خريطة الاتصالات، التي كانت هذه الأجهزة تحصل عليها في ملاحقتها مطلوبين ارتكبوا جرائم أو في تعقب مشتبه بهم». وأوضحت مصادر فرنسية وأخرى لبنانية أن جميع الذين التقاهم عبروا عن تشاؤمهم من موقف إسرائيل وحكومة بنيامين نتانياهو وآثاره السيئة على المنطقة، كما ان جنبلاط أبدى تخوفه من استمرار مخطط إثارة الفتنة السنية – الشيعية في المنطقة، وأكد لكوشنير أن مسألة سلاح «حزب الله» لن تجد حلاً لها إلا في إطار الحوار اللبناني الداخلي. وذكرت مصادر مطلعة ان كوشنير حرص في لقائه مع ممثل «حزب الله» على الاستفسار من الحزب عن أسباب تأخر تشكيل الحكومة وأن التفسير الذي قدمه الموسوي هو أنها محلية على الأرجح، كما أنه أثار معه أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701 في الجنوب والحفاظ على التهدئة والسعي الى عدم تكرار مجموعة من الحوادث التي حصلت فيه في الأشهر الماضية، حيث تبادل الجانبان التفسيرات حول ظروف حصولها. وعن اللقاء بين الوزير الفرنسي وعون قالت المصادر أن الأول شدد على ضرورة أن يساهم جميع الفرقاء في تحمّل المسؤولية الوطنية من أجل قيام الحكومة في لبنان نظراً الى أن تحديات عدة تواجهه في ظل الأوضاع المتحركة في المنطقة.